للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عباس مثلها: لولا مخافة الوسواس لم أجالس الناس، وقال مرة: لدخلت بلاداً لا أنيس بها وهل يفسد الناس إلاّ الناس؟ وقال بعض السلف: كلما كثرت المعارف كثرت الغرماء وكلما أطالت الصحبة توكدت الحقوق، وقال بعض العلماء: من عرف نفسه استراح، ومن عرف الناس تعنى، وقال بشر بن الحرث في ضده: من عرف الناس استراح، وقد قيل في معنى قوله عليه الصلاة والسلام: مداراة الناس صدقة، قال: مداراتهم في العلوم ومفارقتهم في العقول وفي أحد الوجوه من قوله تعالى: (إدْفَعْ بِالَّتي هيَ أَحْسَنُ) المؤمنون: ٩٦، قال هي المداراة، وفي الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، ومن منع حظه من الرفق منع حظه من الدنيا والآخرة.

[ذكر سنن الجسد]

وفي الجسد اثنا عشرة سنة، وذلك مأخوذ من ثلاثة أحاديث متفرقة: منها حديث جبريل عليه السلام حين استبطأه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوحي؛ خمس منها في الرأس وهي: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقصّ الشارب، وفرق شعر الرأس؛ ومنها سبع في الجسد: وهي الختان، والاستحداد، وانتفاض الماء وهو الاستنجاء ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وغسل البراجم، وتنظيف الرواجب، فأما البراجم فهي معاطف ظهور الأنامل لم تكن العرب تكثر غسل ذلك لتركها غسل أيديها عقيب الطعام، فكان يجتمع في تلك المكاسر الوسخ فأمروا بغسلها، قال أبو هريرة وغيره من أهل الصفة: كنا نأكل الشواء ثم تقام الصلاة فندخل أصابعنا في الحصباء، ثم نفركها في التراب ونكبّر، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما كنا نعرف الأشنان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما كانت مناديلنا بواطن أرجلنا، كنا إذا أكلنا الغمر مسحنا بها، ويقال: أول ما ظهر من البدع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع: المناخل، والأشنان، والموائد، والشبع؛ فهذه كلها في شأن الجوف وهو شر وعاء مجوّف، وأما الرواجب فهي جمع راجبة وهي واحدة الأنامل لم تكن العرب يتفق لها الجلمان في كل وقت فيقصون أظفارهم فوقت لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقصّ الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أربعين يوماً، إلاّ أنه أمر بتنظيف ما تحت الأظافر لأنه مجمع النفث؛ وهي الرواجب إلى أن يقصوا أظفارهم، وجاء في الأثر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استبطأ الوحي فلما هبط جبريل عليه السلام قال له: كيف ننزل عليكم وأنتم لا تغسلون براجمكم ولا تنظفون رواجبكم، وقلحاً لا تستاكون؟ مر أمتك بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>