للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه فقالوا: إذا كان إمامًا يقتدى به فنعم، وقال مرة هو أو غيره: يختلف ذلك على قدر الإرادة به إذا أراد التأديب للنفس حسن ذلك فهذا يلتبس بمداخلة النفس أو بفنائها بقيومية شاهد اليقين للرب عزّ وجلّ.

[فصل]

ترك العمل عمل كثير يحتاج التارك للنهي أو المكروه فرضًا أو ورعًا إلى نية حسنة أن يتركه لله عزّ وجلّ طلب مأمنه أو رغبة فيما عنده، لا لوجود الخلق، ولا ليرب به حاله أو يقيم به عند العبيد جاهه، لأنّ ترك المعصية من أفضل الأعمال فيحتاج إلى أحسن النيات، إذ عليها من الله تعالى أجزل المثوبات لبلوى النفس بهاواضطراب الوصف إليها، وقال بعضهم: من أحبّ أن يعرف ورعه غير الله تعالى فليس من الله في شيء، وروي عن زكريا عليه السلام: أنّ قومًا دخلوا عليه وكان يعمل في حائط القوم بالطين، وكان صانعًا يأكل من كدّ يديه، فقدم إليه عندهم رغيفيه وجعل يأكل ولم يدعهم حتى فرغ، فسألوه عن ذلك لعلمهم بزهده وكرمه فقال: إني أعمل لقوم بأجرة، وقربوا إليّ هذين الرغيفين لأتقوّى بهما على عملهم، فلو أكلتم معي لم يكفكم ولم يكفني وضعفت عن عملهم؛ فهذا ممن ترك فضلاً لفرض، وممن كانت له نية في الترك، كما تكون له في الفعل وقال بعضهم: دخلت على سفيان بن أبي عاصم وهو يأكل فما كلمني حتى لعق أصابعه، ثم قال: لولا أني أخذته بدين لأحببت أن تأكل منه.

وقد روينا في الخبر: أنّ أعجميّاً مرّ بنفر قعود يتكلمون بكلام فيه استهزاء ولهو فظن أنهم يدعون الله عزّ وجلّ فقال: مثل ما يقولون بحسن نيته، قال: فغفر الله لهم بحسن نيته وقال الحسن: من علامة المسلم أن لا يبدره لسانه ولا يسبقه بصره، ولا تقصر به نيته؛ يعني لا يضعف ولا تقعد به عن المسارعة إلى القربات هي أبد في قوة وزيادة وإن قصرت أعماله فيها وعجزت قوّى جوارحه وقال: المؤمن تبلغ نيته وتضعف قوته، والمنافق تضعف نيته وتبلغ قوته، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل حق حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتى لا يحبّ أن يحمد على شيء من عمل الله عزّ وجلّ، وقال الحواريون لعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام: ياروح الله ما الإخلاص لله عزّ وجلّ؟ قال: الذي يعمل العمل لله تعالى لا يحبّ أن يحمده عليه أحد من الناس، قالوا: فمن الناصح لله عزّ وجلّ؟ قال: الذي يبدأ بحق الله تعالى قبل حق الناس، وإذا عرض له أمران؛ أحدهما للدنيا والآخر للآخرة بدأ بأمر اللّّه تعالى قبل أمر الدنيا، فحبّ المحمدة من الناس أصل هو فرعها، وهو يحبّ أن يعرف مكانه، ويريد الاشتهار، وينوي بقلبه محبة الإعظام له من وجوه الأنام، فلا ينفعه، مع هذه النية اختفاؤه في الآجام وعمله غير مقبول،

<<  <  ج: ص:  >  >>