للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التوبة منه وأكبر الإصرار العسي في طلب الأوزار، وفي الخبر: سبق المفردون المستهترون بذكر الله تعالى وضع الذكر أوزارهم فوردوا القيامة خفافًا؛ فهؤلاء الذين سبقت لهم منا الحسنى من المقرّبين أخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ لهم أوزارًا وضعتها الأذكار.

وقال تعالى: (وَالسَّابقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ المُقَرَّبُونَ) الواقعة: ١٠ - ١١، هذا ما علمناه من أدلة العلوم وتأوى التنزيل وعفو الله تعالى وإرادته من وراء ذلك كله وعلم القديم وللهّّ عاقبة الأمور.

مسألة محاسبة الكفّار

فأما محاسبة الكفّار فهذه مسألة اختلف الناس فيها، فمنهم من ذهب إلى أنهم يحاسبون، ومنهم من أنكر حسابهم، وقد اختلف الآثار في ذلك، فقد جاء في بعضها ما يدل على حسابهم وبه تعلق من قال به، وجاء في كثير منها ما يدل على أنهم لا يحاسبون، وبه احتجّ من أنكر حسابهم، وإنما يرجع عند الاختلاف إلى كتاب الله تعالى، ففيه الشفاء وبه الغنى، فيفصل ما أجمل القائلون ونعدل في القول الشديد فيما تأوّله المتأولون، فنقول: واللّّه أعلم أنّ الله سبحانه ذكر في كتابه آيتين تدل على مسألة الكفّار عن الشرك الذي أدخلوا في التوحيد، وعن إجابة المرسلين وتكذيبهم قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَاديهِمْ فَيَقُولُ أيْنَ شُرَكَائي الَّذينَ كُنْتمْ تَزْعمون) القصص: ٦٢ ثم قال في الآية الأخرى: (وَيَوْمَ يُنَاديهِمْ فَيَقُولُ مَاذَاَ أجَبْتُمُ المُرْسَلينَ) القصص: ٦٥ فنقول أنهم على هذا يسألون عن التوحيد فقط وعن تكذيب المرسلين هاتين الآيتين، وقال في الآيتين الآخرتين: (وَلا يُسْألُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ المُجْرِمون) القصص: ٧٨ وقال في الأخرى: (فَيَوْمَئِدٍ لا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جان) الرحمن: ٣٩ ثم قال: (يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بالنَّوَاصي وَالأقْدَام) الرحمن: ٤١ فهذا نصّ في ترك المسألة على الذنوب والأعمال، فنقول بهاتين الآيتين: إنهم لا يسألون عن الأعمال، وإنما يحاسب على العمل من كانت بينه وبينه معاملة ومن ثبتت له حسنات يقع بها ترجيح وموازنة.

وقد روينا عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: (وَفِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ) الصافات: ٤٢، قال عن قول لا إله إلاّ الله، وقد رويناه مرفوعًا إلى النبي فهذ على معنى ماذكرناه أنهم يسألون عن التوحيد، فالناس من أهل الجنة والنار يحشرون يوم القيامة على ست طبقات؛ طائفة تدخل الجنة بغير حساب وهم السابقون المقرّبون، وطائفة تدخل الجنة بعد الحساب اليسير وهم خصوص المؤمنين والصالحين، ومنهم من يدخل بعد الحساب الطويل والمناقشة وهم أصحاب اليمين وعموم المؤمنين وكذلك أهل النار ثلاث طبقات؛ طائفة تدخل النار بغير سؤال ولا حساب، عالمان من عبدة الأوثان من ولد يافث بن نوح وهم يأجوج ومأجوج خلق خلقوا للنار، وطائفة تدخل النار بعد الحساب الطويل والمناقشة، وهم أهل الكبائر والمنافقون، وطائفة بسؤال وتوقيف من غير

<<  <  ج: ص:  >  >>