للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قومًا هم فيهم، الأرض بهم رحيمة، والجبّار عنهم راض، اتخذهم لنفسك أخداناً عسى أن تنجو بهم، وإن استطعت أن يأتيك الموت وبطنك جائع وكبدك ظمآن فإنك تدرك بذلك شرف المنازل وتحلّ مع النبيّين، وتفرح بقدوم روحك الملائكة، ويصلّي عليك الجبّار عزّ وجلّ، وممن اشتهر بالطيّ وكثر النقل عنه بذلك الخمس عشرة يومًا إلى عشرين إلى شهر، جماعة من العلماء يكثر عددهم؛ منهم: ابن عمرو العوفي، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وإبراهيم التميمي، وحجاج بن قرافصة، وحفص بن العابد المصيصي، والمسلم بن سعد، وزهير البنائي، وسليمان الخواص، وسهل بن عبد الله، وإبراهيم الخواص، وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يطوي ستًا، وكان عبد الله بن الزبير يطوي سبعة أيام، وكان أبو الجوزاء صاحب ابن عباس يطوي سبعاً، وروي أن الثوري وإبراهيم بن أدهم كانا يطويان ثلاثًا ثلاثًا، وقد رأينا من كان يطوي تسعًا وخمسًا، وكثيرًا ممن يطوي ثلاثًا ثلاثًا.

وقد قال بعض العلماء: من طوى أربعين يوماً من الطعام ظهرت له قدرة من الملكوت، وكان يقول: لا يزهد العبد حقيقة الزهد الذي لا مشوبة فيه إلاّ بمشاهدة قدرة من غيب الملكوت، وبعضهم يقول: لا يوقن العبد يقيناً ثابتاً بحكم عليه لاستقامة فيه، ولبسة حال لازمة، وعلم نافذ في الملكوت، إلاّ بمشاهدة قدرة من قدرة الغيب، برأي عين تظهر له بشهادة دائمة، يقوم بها ويضطره؛ فعند هذا يعرف من الله تعالى، ومنه المخصوص القيوم به، ويصحّ لعبد مراد بهذا الطريق المنهج أربعين في سنة وأربعة أشهر، على ما نزلنا من تأخير الأوقات وقتًا بعد وقت، ورتبنا من رياضة النفس في الأوقات حتى تندرج الليالي في الأيام، وتدخل الأيام في الليالي، فتكون الأربعون بمنزلة يوم واحد وليلة واحدة، وهذا طريق بعض المقربين، لا يقدر عليه إلاّ مراد به، محمول فيه، مكاشف بشهادة تشغله عن نفسه، وتقطعه عن طبعه وعادته، وتنسيه جوعه، ويكشف له حقيقته ومرجوعه، وقد عرفنا من كان فعل ذلك، وظهرت له آيات من الملكوت، وكشف له عن معاني قدرة من الجبروت، تجلى الله له عزّ وجلّ بها ومنها كيف شاء، وقد وقف بعض هذه الطائفة على راهب فذاكره بحاله، وطمع في إسلامه، وترك ما هو عليه من الغرور، فكلمه في ذلك بكلام كثير إلى أن قال له الراهب: فإن المسيح كان يطوي أربعين يوماً وأن معتقد إعجاز هذا وأنه لا يكون إلاّ النبي، فقال له الصوفي: فإن طويت خمسين يومًا ما تترك ما أنت عليه وتدخل في دين الإسلام، وتعلم أنّ ما نحن عليه حقّ وأنك على باطل؟ قال: نعم فقعد عنده لا يبرح ولا يذهب إلاّ من حيث يراه الراهب

<<  <  ج: ص:  >  >>