للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجعل له صُلباً وعجُزاً وكلْكَلاً لما كان ذا أوْلٍ وآخر، وأوسط مما يوصف بثقل الحركة إذا استطيل وبخفّة السير إذا استقصر؛ وكلّ هذه الألفاظ مقبولة غيرُ مستكرهة، وقريبة المشاكلة ظاهرةُ المشابهة، وإنما يُحمَل ما جاء من ألفاظ المحدَثين وكلام المولَّدين زائِلاً عن هذا الموضع وغير مستمرّ على هذا السّنَن على وجوه تقرِّبهم من الإصابة، وتقيمُ لهم بعضَ العُذر، وتلك الوجوه تختلفُ بحسب اختلاف مواضعه، وتتباين على قدْر تبايُن المعاني المتضمنة له، فإذا قال أبو الطيب:

مسرّةٌ في قلوبِ الطّيب مفرِقُها

فإنما يريد أن مباشرةَ مفرِقها شرف، ومجاورتَه زيْنٌ ومفخرة، وأن التحاسدَ يقع فيه، والحسرةَ تقع عليه، فلو كان الطّيبُ ذا قلْب كما لو كانت البَيض ذوات قلوب لأسِفت؛ وإذا جعل للزمان فؤاداً أملأته هذه الهمّة فإنما أورده على مقابلة اللفظ باللفظ، فلما افتتح البيتَ بقوله:

تجمّعتْ في فؤادِه همَم

ثم أراد أن يقول إن إحداها تشغل الزمان وأهله ولا يتسع لأكثرَ منها ترخَّص بأن جعل له فؤاداً وأعانَه على ذلك أنّ الهمةَ لا تحل إلا الفؤاد، وسهّله في استعارة الأوصاف. وإذا قال أبو تمام:

يا دهرُ قوِّمْ من أخدَعَيْك

فإنما يريد: اعدل ولا تجُر، وأُنصِف ولا تحِفْ. لكنه لما رآهم قد استجازوا أن ينسُبوا إليه الجَوْر والميل، وأن يقذفوه بالعَسْف والظلم، والخُرْق والعنف، وقالوا: قد أعرض عنا، وأقبل على فلان، وقد جفانا وواصل غيرنا، وكان الليل

<<  <   >  >>