للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فهذا يذكر أنه قد طعن مستمكناً متثبِّتاً؛ وأنه قد استفرغ ما عنده، وبلغَ جُهده، ولم يعلم ما أثوابُه وكيف كانت بزّتُه؟ وهل منعَتْ سِنان الرمح من الخُلوص الى المقْتل، والوصلِ الى المقْصد، ومن زعم أنه أراد بقوله: لم أدْر من أثوابه؛ أي لم أسلبه، فلم يصنع شيئاً؛ لأنه لا يتمكن من سَلبه إلا وهو صَريع طَريح، ولو كان ذلك لم يمكنه الإياب ولم يشكُ، وقد قتله بما آب به.

وللعرب في وصف السلاحِ والخيل مذهبان؛ فإذا وصف شاعرُهم خيلَ قومِه، وأداةَ رهْطه، وسلاحَ عشيرته، وما ادّخَره هو من عَتاد، واقتَناه من رباط، فإنما يريد أننا أهلُ حروب ومغارات، ولنا النجدة والمَنَعة، وأنا فينا العزّ والقهر، ولنا الغلبةُ والفضل، وإذا وصف بذلك عدوّه ومحارِبَه فإنما يطلب الغضّ منه والنعي عليه، وليس يفعل ذلك إلا وقد حاد ذلك العدوّ عنه في مُلتَقى، أو حاجزه في مُعتَرك، أو دعاه الى البِراز فلم يُجبه، أو أجابه فلم يثبت له؛ فهو إذا وصف سلاحه فإنما يقول له: إنك هربت وأنت مؤْد شاك السلاح، تامّ الآلة، حديد السيف، ماضي السنان؛ فهو أثْلم لعِرصِك، وأدلّ على عجزك، وأبلغُ في ذمّك. وإذا وصف فرسه فإنما يعتذر من بقائه بعْد لقائه، ومن خلاصه بعد تورطه. ويريد أن الفرس نجّته وأطلقته؛ وإنما منّتْ عليه وأنقذته، فهو طليقُها، وأسيرمنِّها ورَقيقها، كما قال:

ولا تكفُرَنْها، لا فَلاحَ لكافِر

فهذا هذا.

أو معنوي مدقِّق لا عِلم له بالإعْراب، ولا اتّساع له في اللغة؛ فهو ينكر

<<  <   >  >>