للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال وأقبل جمل أذب أخشب، فضرب في أبلهم فأقام، فلما كان ذهاب هياج الإبل رجع عنهم إلى وطنه. فلما كان من قابل أقبل أيضا فضرب في الإبل، ثم رجع. فلما كان في العام الثالث عَاوَدَهم على عادته، فرأوا في سنامه ووبره عَثَاكيلَ التَّمْر، وفي بعره النَّوى، فقال طيء. لولده إن هذا البعير ليجيء من مكان مُخْصب، انظروه إذا انصرف، وتبعه أولادهُ فَلْيَرْكَب رجلان منكم في طلبه. فلما انصرف البعير لم يبق شيء من ولده إلا تبعه، وقفا أثره أسامةُ بن لؤي بن الغوث بن طيء، والحارث بن فطرة بن طيء، على جملين، فكان يرعى النهار ويرعيان معه حتى المساء، ثم مضى ويمضيان معه، ويجعلان الصوى والآكام والانهار ليعلما بهلا السبيل والقصد، فمضى حتى دخل باب أجا، وكان عليه باب من حديد مصراعاه عرضهما خمسة أذرع، فنزعهما عبد الملك بن مروان، ووسّضع الباب فجعله تسعة أذرع حين بلغة تعريض الطِّرماح ابن عدي بن حاتم الطائي على الحُسَين بن علي بن أبي طالب أن يأتي به الجبلين، وخاف عبد الملك أن يجعله بعض من يناويه حِصناً. قال فدخل الجملُ بابَ أجأ فدخلا معه، فإذا بحصن ونخل وعيون، وإذا الأرض خلاء ليس بها سفر، وإذا التمر قد غَطَّى كَرَانِيف النخل، فجالا ونظرا ثم انصرفا إلى طيء فأخبراه، فرحل طيء في جميع ولده حتى نزل الجبلين، فبينما طيء ذات يوم جالس ومعه ولده إذ أقبل عليه رجلٌ من بقايا جَدِيس بن عامر بن سام بن نوح، ممتد الخَلْق، قد كادَ أنَ يَسُدّ الأفق، يقال له الأسود بن غِفَار. فقال لطيء من أدخلكم بلادي وأرومتي وميراثي من آبائي؟ اخرجوا من بلادي وإلا فعلتُ بكم وفعلتُ. فقال طيء البلاد بلادُنا لقد دخلناها وما فيها أحد، بل بخلت أنت بخلا فادّعيتها. فقال لتخرجن منها أو لأفعلن بكم الأفاعيل. قال له طيء فاضرب لنا أجلا. ففعل وانصرف الجَبَّار. فقال طيء لجُنْدُب بن خارجة بن سعد بن فُطْرَة بن طيء، وأمه جَدِيلة بنت سُبَيْع من حمير - وقال آخرون جَديلة بنت يسلع من حضرموت، وقالوا جديلة بنت أنمار أخت بجيلة، وإليها ينسب فُطْرة بن طيء، وكان طيء لجُنْد مُكْرِمَا مؤثرا يا بُني قاتِل عن مَكْرَمِتك. قالت له أمه بالله لا تتركن بنيك وتعرض ابني للقتل، لا والله لا يفعل. قال ويُحْكَ، إنما خصصته بذلك. فأبت عليه. قال وكان طيء يُحِب جُنْدباً دون إخوته، ويخبئ له الحيس والطعام الطيّب. فلما أبَت عليه أمه أن يلحقه العادي حين أمره طيء فخالفته وبخلت بابنها. فأمر طيء عند ذلك عَمْرَو بن الغوث بن طيء وقال يا عمرو دونك الرجل. فأنشأ عمرو عند ذلك يقول لضُمهْرة بن خارجة أخ جُندب بن خارجة بن سعد بن فُطْرَة بن طيء شعرا

يا ضمر أخبرني ولست بكاذب ... وأخوك صاحبك الذي لا يكذب

هل في القضية أن إذا استغنيتم ... وأمنتمُ فأنا البعيد الأجنب

وإذا الشدائد بالشدائد مَرةً ... أشجتكم فأنا الحبيب الأقرب

وإذا تكون كريهة أدْعى لها ... وإذا يُحاس الحيسُ يُدعْى جُنْدُب

تَباً لتلك قضية وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب

ولجندب رُعي البلاد وسهلة ... ولي الحَزُوَنةُ والمَحَلَّ الأجدب

ومن البلية أن شاةً بيننا ... فَيَديِ بقرنيها وإنك تحلب

هذا وجدكم الصغار بأسره ... لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب

قال فقال طيء لعمرو بن الغوث بن طيء يا بني هذه أكرم دار على وجه الأرض. قال: لن أفعل إلا علي ألا يكون لولد جُنْدب فيهما حقّض يعني الجبلين. قال ذلك لك. قال فمضى عمرو بن الغوث في طلب العادي فوجده يخترق رُطَباً وهو يقول: تُطَأطُِئ أجنى جناك قَاعدا، مالي أرى حملك ينزوا صاعدا وقال العادي حين أبصر بعمرو:

يا طالب الظبي أصبت أثَرَه ... إن أنت لم تحرم لصيد خطره

أنصفَ رام إن أنْذَرَه

<<  <   >  >>