للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: ثم توفي أبو صفرة بالبصرة، في ولاية ابن العباس، لعلي بن أبي طالب، وكان ابن عباس، الذي ولي الصلاة عليه، وقال: لقد دفنا اليوم سيد هذه النفرة. قال: وحدث محمد بن عييبة أن خيل أبي صفرة التي قطع بها من عمان لم تزل معه حتى قدم بها البصرة، وكان رباطه بها معروفا، وكان بها رباطان احدهما في بني سعد، ولأخر في بني جعدة. قال: وحدث جرير أنا نفسي ادركت بقية خيل أبي صفرة تلك ولم تزل في أيدي أصحابنا حتى صارت إلى بشر بن عبد الملك، وأظنه أراد مسلمة. قال: وحدث محمد بن النضر أن مسلمة أخذ بقية تلك الخيل أيام يزيد بن المهلب، وأنه قال: والله هذه لمأثرة كريمة ان مائة وسبعين فرسا رباطا لقوم موصولا بجاهليتهم.

[٤ - نسب المهلب ب ن أبي صفرة وولده وما كان من شأنه]

وولد المهلب بن أبي صفرة بن ظالم بن سراق بن صبيح بن كندة بن عمرو بن وائل بن الحارث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو بن مزيقيا بن عامر ماء السماء، ثلاثة وعشرين رجلا، واحدى عشرة بنتا، وهم: سعيد، وبه كان يكنى المهلب أبا سعيد، ولا عقب له. والمغيرة، والقبيضة، ويزيد، وحبيب، والحجاج، والبحتري، والمفضل، وعبد الملك، وعمرو، وأبو عيينة، وجعفر، وعطاء، ومدرك، ومروان، وعمرو، وزياد، وفاطمة، وهند، ولقيسة، وأم مالك، وأم عبد الله، وأم يزيد، ومنيعة، وأم الربيع، وأم مراد، وأم نصر، وأم مداش.

ولم يزل المهلب ميمونا منصورا لبقية، يعرف ذلك منه. دعا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ثم أردفها دعوة سعد بن أبي وقاص، بعد ذلك في خلافة معاوية بن أبي سفيان، في غزوة الحكم بن عمرو الغفاري ببلاد خراسان، بحيث بعثه زياد بن أبي سفيان.

وذلك أن زياد بن ابيه لما ولى العراق لمعاوية، أخرج الحكم بن عمرو الغفاري بالعساكر نحو خراسان، فخرج المهلب، فلما لقي المسلمون العدو ومعهم الفيل وخيل العرب تنفر منه، فترجل الملتهب عن دابته، وتقدم إلى الفيل فضرب خرطومه بالسيف أفأبانه، وهزم الله - جل جلاله - المشركين.

ثم ان الناس لما ان قفلوا من غزواتهم اصابهم الثلج والبرد، وجعل العدو يتتبعهم، وليس على الناس صاحب ساقة، فلم يجبه احد إلى ذلك غير المهلب، فانه لمنا راى تقاعد الناس وان العدو قد انتهز الفرصة، فجعل يصيب الناس لعدم الساقة، والمحامى في اعقاب الناس، ودعا المهلب نفسه ان يكون صاحب السلقة، فعقد له وجعله على الساقة، ثم ان المهلب دعا جماعة اختارهم من المعسكر ان يكونوا خلفاءه، وثقاته فيما يقول عليهم فيه، فاجلبه منهم من اختار العسكر جماعة، وكان فيمن اجابه، قطري بن الفجاءة، وكان لا يكاد يفار ق المهلب في غزواته، فلم يزل المهلب يحمي الناس في الساقة، فاذا مر برجل حمله، أو جريح فعل به مثل ذلك وعالجه، حتى سلم الناس وعادوا بالسلامة، وقد دنا لذلك لقب، فبلغ معاوية خبرالمهلب وما فعل عند الناس وعند سعد بن الوقاص، فقال سعد: اللهم لا تره ذلا ابدا، واكثر ماله وولده.

فيقال ان المهلب انما ما نال على طول ممارسته بالحروب من الخوارج والمشركين، وكثر ظفره وفتوحاته، ونمو ولده، بدعوة علي بن أبي طالب، ودعوة سعد. وكان سعد يسمى المستجاب من بين اصحاب النبي صلى الله ععليه وسلم ويقال ان المهلب لم يمت حتى ركب معه من ولده وولد ولده واخوته واولادهم ثلاثمائة وخمسون راكبا، وانه لم ينال من عدوه إلى ان مات.

ولم يكن في وق المهلب، في جميع العراق، وقبائل العرب، رجل منهم بقي في الحزم زالعزم والعلم والصدق والامانة والوفاء والرواية للحديث والخطابة والبلاغة والشعر والبيان، الذي ليس في الارض مثله. وكان اجمع الناس للخصال المحمودة للرجل، ومن كمال عقله انه لم يحضر في فتنة قط وكان اكثر وصاياه لاولاده بلزوم الطاعة، ولم يطعن عليه في سب، ولم يسابب احدا في شبيبته، ولم يسب احدا في كهولته الا مرة واحدة، قال لخالد بن ورقاء: ياابن الخنا. وهكذا حكي عن الجاحظ، فاذا كان الجاحظ على معرفته وكثرة علمه بالخبر، لم يحسب له الا هذه السقطة، وعلى ولايته على الرجال، وعلو أمره، ونفوذ رايه.

٥ - المهلب وحرب الخوارج

<<  <   >  >>