للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان مولده في العام الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما حضرته الوفاة قال: لا وبلت انفس الجبناء، قد حضرت الحروب، ونازلت الاقران، وقارعت الفرسان فها انذا اموت حتف. وفيه يقول بهار بن برسعة السلولي:

الا نهب العرف المقرب للغنى ... ومات الندى والجود بعد المهلب

اقام بمرو الرود رهن ضريحه ... وقد قبضا من كل شرق ومغرب

وقال ابن حينا:

ترحلت الاخيار تبغي عميدها ... إذا العرف وارته السفايف والقبر

يقولون هل بعد المهلب مثله ... الا لا بل الأمصار من مثله قفر

كانا سكارى يوم قاموا بنعيه ... وليس بنا الا المصاب بنا سكر

اتى دون ابصار الرجال بغية ... بمثل العمى والسمع حالفه وقر

وقد مادت الارضون حتى كأنما ... بكت جبال الصم وانصدع الصخر

اترجون ان سمرقندبعده ... وأعلى طحارستان لو يقطع النهر

ومن دون ان يشا بأرض سناؤها ... من القصر اشراط القيامة والحشر

وقد جعل الله أحدا يأخذ نصف اموال المهلب وخصائله الكريمة، ولم يقدر ان يحوي شيئا من ذلك، لانه ليس من كتاب الف من بعده، في أي جنس، كان من تاليف، الا وقع فيه من اخبار المهلب، واحكامه، وبلاغته وسياسته، وجوده.

ولقد وصفه ابن الكلبي فأحسن واختصر فاجزم، وذلك ان ابن الكلبي حبس مع خالد بن عبد الله القشيري، فتذاكروا ام السؤدد.

فقال ابن الكلبي: ايها الامير، ما تعدون السؤدد؟ قال خالد: في الجاهلية فالرياسة، واما في الاسلام فالسياسة، وخير ذا وذلك التقوى.

فقال ابن الكلبي: صدقت، كان أبي يقول: لا يدرك الشرف الا بالعقل، ولا يدرك الآخر الا بما أدرك الاول.

خالد: صدق ابوك، ساد الاحنف بحلمه، وساد مالك بن مسمع بمحبة العشيرة له، وساد قتيبة بدمائه، وساد المهلب بهذه الخلال كلها، إلى ما زاد فيها من الكرم، والشجاعة، والحزم، والعفة، والعلم.

ابن الكلبي: صدقت، كان المهلب ابقى الناس للناس، خيرهم لنفسه، وذلك انه إذا كان كذلك أبقى على روحه من السرق، لئلا يقطع، ومن القتل لئلا يقاد نته، ومن الزنى لئلا يجلد، ومن الفرية لئلا يحد، فسلم الناس منه لاتقائه على نفسه.

خالد: فهذه الخصال كانت في المهلب.

[٦ - خبر ولد المهلب، وما كان من شأنهم]

وكان المهلب، لما حضرته الوفاة، استخلف ابنه يزيد على خراسان، وهو ابن ثلاثين عاما، فأقره عبد الملك على ما ولاه المهلب. ثم ان الحجاج حث على عزله، فلم يقدر على ذلك، لمعرفة عبد الملك بحسد الحجاج للمهلب وولده.

فلما مات عبد الملك، وولي ابنه الوليد بعده، زاد في محبة الحجاج عند الوليد، على ما كان عليه عبد الملك، حتى انه قال له في مجلسه: ان أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، كان يقول الحجاج جلدة ما بين عيني. وانا أقول: ان الحجاج جلدة وجهي كله. فلما علم الحجاج محبة الوليد له، كتب اليه يخبره: ان يزيد بن المهلب قد اكل اموال خراسان، واستجلب بها محبة العرب له، واني اخاف من اجانبه نفان اذن لي امير المؤمنين ان اتلطف له بالحيلة لعلي اقلعه من خراسان، واستقدمه إلى ما قبلي، فإنه ان قدم العراق قدرت على اخذ الأموال منه.

فكتب اليه الوليد: أمره اليك، فافعل ما ترته، ولم يكن احد من بني المهلب ينادي يزيد الا المفضل، فإنه كان ذا جمال، وسخاء وعلم مع فصاحة، وجودة شعره وكانت الازد تذكر المفضل وسؤدده نوتقولون نعزي ولكن يفضل يزيد عليخه للذي فضله ابوه.

وجعل الحجاج يسأل عن أموال بني المهلب، فلما خبر سؤدد المفضل، ازداد حسده لولد المهلب. وكان سبب زيادة حسد الحجاج لولد المهلب، وحقده ليزيد، ان يزيد لما اسر من اشراف أصحاب ابن الاشعث، كتب اليه الحجاج ان ينفذ اليه بالاسرى، فبعث بهم اليه، وخلى عن عبد الرحمن بن طلحة الطلحات، وعبد الله بن فضالة الزهراني نوبعث بالباقين، وفيهم محمد بن سعد بن أبي وقاص، وعمرو بن عبيد الله القرشي، والعباس بن الأسود الزهري، والهلقام بن نعيم التميمي، ثم الداري وقيرود بن حصين، ثم دعا بالهلقام بن نعيم التميمي، فسبقه الهلقام إلى الكلام.

فقال: لعنك الله يا حجاج، ان افلتك هذا المزوني، يعني يزيد بن المهلب.

<<  <   >  >>