للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القليل في الخصائص. فالمنتفق عدنانية الا ان العشائر القحطانية التي ساكنتها لم تعد تفترق عنها بالرغم من انها حفظت نسبها، ولم تندمج بها من كل وجه. وهكذا يقال في العدنانية التي خالطت القحطانية فاكتسبت خصالها وان كانت اعتزت بنسبها. وبمثل هذا لا يخرج كل منهما عن عربيتهما، أما الذين خالطوا الكرد او الايرانيين أو الترك فانهم أضاعوا في الغالب لغتهم، وللاختلاط أثره. فهو مشهود فيهم. والنسب لا يزال محفوطاً أو محتفظاً به للعرب حتى فيمن اندمج في العشائر الكردية، أو الكرد في العشائر العربية. ومثلهم الترك والايرانيون.

ولا نتوغل في أمر التفريع الآن. واقل ما فيه القربة القريبة، والاشتراك في المنافع، ودفع الغوائل أو كما يقولون (في الدم والمصيبة) . وهذا التوزيع الاصلي الى قحطانية وعدنانية سهل بيان خصائص كل صنف وأدى الى الاحتفاظ بالنسب وهوعزيز عند العرب محتفظ به. وعليه تستند عصبيتهم وقوة (نخوتهم) أو (صيحتهم) . والملحوظ أن يوجه لجهة الخير، فلا يستغل للشرور والآثام بل الى التعاون والتناصر في العمل للانتاج الممدوح.

وكنت أرغب أن أسرد العشائر الريفية على ترتيب حروف الهجاء الواحدة تلو الاخرى الا اني رأيت أن الفهرس الهجائي للعشائر يعوض. وذكر القحطانية فالعدنانية يجعل كل جذم من هذه وتفرعاته في موضوع خاص. وهذا هو الذي رجحته بعد تلوّم. لان ذكر العشائر على ترتيب حروف الهجاء لا يجعل صلة بينهما، ولا يؤدي الى توحيد عرفها بوجه. ولا لهجتها وآدابها وسائر احوالها. ولا يؤدي الى معرفة التعاون والتناصر بينهما.

وكذا رجحناه على ترتيب الارياف بالنظر (للالوية) . وفي هذا تجتمع عشائر غير متجانسة في صعيد واحد وكلها احتفظت بصلاتها، لذلك اخترنا أن نمضي على ترتيب القحطانية والعدنانية. وهذا نعوض عنه بالخارطة، وبذكر عشائر كل لواء في بحث خاص على حدة توقياً من التداخل الملحوظ، ومن فقدان المزايا المرغوب فيها لدى العشائر. فالعشيرة تود الوقوف على أجزائها، وعلى من يمت اليها بنسب في المواطن الاخرى مجموعة.

وفي هذه الحالة لم نفصل منهاج بحثنا، فالفهرس للمواضيع يعبر عن الغرض المطلوب ...

[من البدو الى الارياف]

هذا التنقل او الميل من البدو الى الارياف ضرورة لازمة لحالة المجاورة للارياف فالبدوي يحاول سنوح الفرصة، ويتأهب للاوضاع المواتية او يتوثب ليحل محل الريفي أما لوقوع نزاع بين أهل الارياف وتدافعهم، أو لخلل حدث في الحياة الاجتماعية كأن يميل أهل الارياف الى المدن، أو لاتفاقات حدثت لما شعر أهل الارياف بضعف تجاه البدو، أو كانت هجومات متوالية أدت الى انتصار البدو لشعورهم بقوة بأن تتهيأ الفرصة السانحة فيضطر الريفي أن يميل الى مواطن مانعة من الاعتداء. الى آخر ما هنالك من أوبئة وطواعين وغوائل قحط وما ماثل.

نرى الحالة الواقعية هيأت ذلك. وهي طبيعية قطعاً والا فقد اتخذت الدول تدابير لتحضير البدو فلم تتمكن من وسيلة ناجعة. فلما قبل البدو الاسلام قلباً وقالباً، لم يروا بداً من قبول الحضارة، بل لم يقبلوا بغيرها. ومن ثم تحضروا، أو صاروا حضراً في البادية. وهذا حادث عظيم لم نر ما يماثله من نوعه الا قليلاً في العشائر التي تركت الغزو فمالت الى الحضارة.

ولا يسعنا حصر الاسباب القسرية أو الاختيارية لركون البدو الى الارياف. ومن ثم يألف البدو عيشة الارياف. ويفقدون مزايا البدو تدريجيا. وكان ضعف الريفي يجعله يميل الى القوة العشائرية أو الاحتماء بالمدينة فيتقدم الى الحضارة قسراً. ومثل ذلك العداء المستمر، والطواعين، أو القحط ... مما يجعل خللاً في الارياف. ومن ثم يميل البدو اليها.

والبدو قد يقسرون على النزوح، او يتربصون الفرص ليحلوا محل أهل الارياف. وبواعث الهجرة أو النزوح كثيرة، وللتدافع حكمه. وهكذا يصيب الريفيين الجدد ما أصاب من قبلهم ... والتحول سنة قاهرة. وادراك هذا التيار القسري أو الارادي نتيجة استمداد من الحضارة وعوامل بقائها، وتوارث بعضها من بعض. والحالات مشتركة تقريبا بين البدو وأهل الارياف. فتيارالهجرة غير منقطع، ولا يحصر في حالات خاصة. وفي الوقائع التاريخية أو تاريخ العشائر الريفية ما يعين ذلك.

<<  <   >  >>