للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما صالح خالد بن الوليد أهل الأنبار رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها فسألهم ما أنتم فقالوا: " قوم من العرب نزلنا الى قوم من العرب قبلنا فكانت اوائلهم نزلوها أيام بختنصر (١) حين أباح العرب ثم لم نزل عنها. " ويفسر هذا القول بالمحفوظ لهم ... فقال ممن تعلمتم الكتاب؟ قالوا: " تعلمنا الخط من اياد وأنشدوه شعراً:

قومي أياد لو انهم أمم ... أولوا أقاموا فتهزل النعم

قوم لهم باحة العراق إذا ... ساروا جميعاً والخط والقلم " اه (٢) .

ومما يبين محفوظات القوم عن أصلهم ان خالداً حينما جاءه رؤساء أهل الحيرة للمفاوضة في أمر الصلح قال: ويحكم ما أنتم؟ أعرب فما تنقمون من العرب؟ أو عجم فما تنقمون من الانصاف والعدل؟ فاجابه عدي اللخمي بل عرب عاربة وأخرى متعربة فقال: لو كنتم كما تقولون لم تحادوننا وتكرهون أمرنا فقال له عدي: ليدلك على ما نقوله انه ليس لنا لسان إلا بالعربية فقال صدقت..الخ. ثم قال له اختاروا واحدة من ثلاث ان تدخلوا في ديننا فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، أو الجزية، أو المنابذة والمناجزة فقال بل نعطيك الجزية فقال خالد: - تباً لكم ويحكم ان الكفر فلاة مضلة فاحمق العرب من سلكها فلقيه دليلان أحدهما عربي فتركه واستدل الأعجمي ... ! فصالحوه على مبلغ معين. ولكنهم ثقل عليهم ضياع الأمرة واعطاء الجزية فقال ابن بقيلة:

ابعد المنذرين ارى سواماً ... تروح بالخورنق والسدير

وبعد فوارس النعمان ارعى ... قلوصاً بين مرة والحفير

فصرنا بعد هلك أبي قبيس ... كجرب المعز في اليوم المطير

تقسمنا القبائل من معد ... علانية كايسار الجزور

وكنا لا يرام لنا حريم ... فنحن كضرة الضرع الفخور

* * *

كذاك الدهر دولته سجال ... فيوم من مساءة أو سرور

وفي هذه الأبيات يتألم القحطاني في العراق من تغلب المعدية وسيطرتها عليهم بعد أن كان لا يرام لهم حريم ولم يلاحظ العربية الجامعة والأخوة القومية والدين الشامل ... فالمفاخرات وتسلط القبائل العدنانية مما رآه مصابا جللا ...

وكذا يقال عن محاورة عمرو بن عبد المسيح وما جرى له مع خالد بن الوليد مما برهن به على قدرة تلاعبه بالعربية وبيانه عنها.

وفي وقعة الحيرة وانتهائها بالصلح قال القعقاع بن عمرو مبيناً أن أهل الحيرة عرب مالوا الى الأرياف:

سقى الله قتلى بالفرات مقيمة ... وأخرى باثباج النجاف الكوانف

فنحن وطئنا بالكواظم هرمزاً ... وبالثني قرني قارن بالجوارف

ويوم أحطنا بالقصور تتابعت ... على الحيرة إحدى المصارف

حططناهم منها وقد كاد عرشهم ... يميل به فعل الجبان المخالف

رمينا عليهم بالقبول وقد رأوا ... غبوق المنايا حول تلك المجارف

صبيحة قالوا نحن قوم تنزلوا ... الى الريف من أرض العريب المقانف

ومن هذا كله يعلم ان عرب العراق من جزيرة العرب مالوا الى الأرياف أو تنزلوا إليها ... وكانت السلطة بايديهم ولكنها في قوة تارة وضعف اخرى. والعرب في الجزيرة لا يعدون من انفصل منهم انه يعود اليهم يوماً ... ولذا ينسى فلا يحفظون له تاريخاً ...

نراهم يقولون عن قوم منهم لا نعرفهم ... وهذا ظاهره الطعن ولكنه في الحقيقة نسيان واهمال لشأنه ... بسبب الوقائع المؤلمة والحوادث القاسية التي دعت فلم يتمكنوا من العودة وطاب لهم المقام ...

- ١١ -

[قبائل العراق]

[الى]

[ايام الفتح الإسلامي]

لا يقطع في طريق الانتساب أو الصلة في الكثير من عرب العراق المتحضرة بل نرى الذين مالوا الى الأرياف وسكنوا المدن انقطعت صلتهم عن العشائر ولم تبق لهم حاجة الى معرفة الصلة النسبية وانما يكتفون بقولهم انهم عرب ... وأما القبائل المعروفة ممن ذكرت في التواريخ أيام الفتح الإسلامي فإنها لما كانت قريبة العهد ولها صلة بقبائل الفتح دوّن المؤرخون مسموعاتهم عن أصلها وتاريخ ورودها العراق. والقديم منها فكلموا عنه مجملاً والآخر أوسعوه تفصيلا ...

<<  <   >  >>