للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس في هذا دعوة الى الادب العامي. وانما ذلك - كما قلت - تقريب من الفصحى مما لديهم من المعرفة، فالادب يصح استغلاله لتوجيه الرأي العام. ولعل في تدقيق ذلك ما يستدعي التوجيه الحق من طريقه أي طريق معرفتهم. وفي هذه الحالة يهمنا كثيرا ما لم يتباعد من الفصحى بأثارة الادب العامي في مختلف صنوفه. فعندنا في البدو أدب له لهجته، وادب ريفي في الانحاء الجنوبية وهو الادب العدناني نوعا يشمل المنتفق وربيعة وما يمت اليهما. وأدب ريفي آخر يشمل العشائر الطائية والزبيدية وما يتصل بهما أو هو الادب القحطاني ولكل من هذه مزايا. واختلاف بعضه عن البعض الآخر.

وأقترح ان يطبق ما في البادية من ثقافة على الأريافبمقياس أوسع بأن نراعي المطالب التالية: ١ - وضع مجاميع في أدب البادية والارياف. فيختار منها ما هو أقرب للفصحى كما يلقى بعض الشعر الفصيح السهل. وهذه المجاميع منها البدوية، ومنها الريفية بضروبها وأنواعها.

٢ - المعاجم اللغوية وتدوين مادتها في العامية وأن يذكر ما يقابلها بالفصحى. وهذه تقتبس من تلك المجاميع ومن الامثال والهوسات وغيرهما. وفي شعر البدو والأريافمادة غزيرة. وفي هذه المادة يكثر المشترك وكلهم عرب الا ان اللهجة تختلف قليلا. وهذه من بقايا لهجات العرب. ويفهم معناها بسهولة. ولأجل أن يعرف ما يقابل الفصحى يراجع المعجم. وبهذا يتمكن البدوي والريفي أن يكتبا باللغة الفصحى لا سيما اذا عرفا قواعد قليلة من النحو.

٣ - التدريس. وهذا يختلف في البدو عن الأريافعلى اختلاف مواطنها. وجل ما يلفت النظر اختيار المدرسين ممن هو أقرب الى كل جهة والا ضاعت الفائدة المتوخاة. وينتقى من النابهين في أوضاع البدو ليكون مدرسا.

٤ - ان يكون النحو والصرف ببساطة تامة، وان ننتزع القواعد من الامثلة. ومثلها في اللغة، فلا تفسر اللفظة الا بما يقابلها، أو يصحح التلفظ بها.

أن لا نتطلب اكثر مما يستطيع الطالب القيام به من درجة امكانياته. وفي الغالب لا يستطيع البدوي، واكثر أهل الأريافأن يقوموا بشراء ما يحتاجون اليه من كتب وقرطاسية.

ويهمنا أن نعلم أن البدوي لا يستقر على لغته بانتقاله الى الأريافوتغير معيشته والوسط الذي يألفه. وكذا الريفي بانتقاله الى المدن. فالعامية البدوية أو الريفية لم تكونا غايتنا، وانما نريد أن نجعلها صالحة للاستغلال للفصحى وأن نأتي من طريقهم في المعرفة والا فاننا نشاهد الامم الراقية تراعي فصحاها، وان كانت تسهل أمرها وتبسطها لمختلف طبقات الشعب. وهذا خير وسيلة أن نرفع العامية الى الفصحى. والكل عربي أو لهجة عربية. واللغة الدارجة اذا كانت عربية وفصيحة فمن الضروري ان لا نترفع عن ذكرها أو أن نحاول التباعد عن الشعب ولغته لنكلمه برطانة أو بألفاظ غريبة عنه فنظهر قدرة. ولا تزال الأمم هذا شأنها في الإفهام كما إن ترك الفصحى جانبا جناية أخرى ولم تهمل أمة لسانها الأدبي فالعمل الذي أقترحه طبيعي ومألوف وفيه إعداد إلى الفصحى دون كلفة. وبذلك يصح أن نستخدم العامية بتحوير قليل حتى تكون فصحى. اذ لا يعوزها أحيانا الا الاعراب والا ضبط بعض الكلمات أو تحويرها قليلا.

وعلى كل حال يصلح الادب البدوي والريفي للتدقيق ويتخذ منه الفصيح. وهذا ما دعا أن نقول مرارا ان المعرفة سابقة للاصلاح. وبهذا تدعو الضرورة لتدوين هذا الادب بأنواعه وتكوين مجموعات منه فنخدم الفصحى ونقرب لغة السواد منها.

وكنت كتبت في الصيد، وفي عرف العشائر وفي الخيل، والابل وسائر ما يصلح أن يكون موضوع البحث الادبي. والمفروض ان ذلك معروف من طريق الاصلاح في موضوع الثقافة البدوية والريفية والمهم أننا لا نزال في حاجة الى معرفة البادية والأرياففلا تزال مجهولة لنا. ومع هذا فالمفروض أنها معلومة.

[خلاصة وصفوة]

عرفنا مجموعات كبيرة من العشائر وتاريخها اجمالا وأقل ما علمناه أن تفرعها ينطق بتاريخها بما لا يقبل التردد. يضاف الى ذلك ادارتها (سياستها) وعرفها ومجتمعها، وادبها فتجمع لنا تاريخ هذه العشائر. ومن جهة أخرى دونا بعض وقائعها المعروفة وسجلناها في (تاريخ العراق) . ومن ثم زاد الامر وضوحا عن الحالات التي كانوا عليها مما يكشف عن بعض ما هنالك من غموض.

<<  <   >  >>