للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

أَمَّا الْمَجْنُونُ، فَهُوَ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِمُرَاعَاةِ نَفْسِهِ، وَلَا يَهْتَدِي إِلَى مَصَالِحِهِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ، أَوْ خَبَلٍ وَقِلَّةِ تَمْيِيزٍ، وَمَتَى بَلَغَ الْغُلَامُ رَشِيدًا، وُلِّيَ أَمْرَ نَفْسِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى كَوْنِهِ عِنْدَ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُفَارِقَهُمَا لِيَخْدِمَهُمَا وَيَصِلَهُمَا بِرُّهُ، وَإِنْ بَلَغَ عَاقِلًا غَيْرَ رَشِيدٍ، فَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ، لَا يُفَارِقُ الْأَبَوَيْنِ، وَتُدَامُ حَضَانَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إِنْ لَمْ يُحْسِنْ تَدْبِيرَ نَفْسِهِ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ اخْتِلَالُ الرَّشِيدِ لِعَدَمِ الصَّلَاحِ فِي الدِّينِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْكُنُ حَيْثُ يَشَاءُ، وَلَا يُجْبَرُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ: تُدَامُ حَضَانَتُهُ إِلَى ارْتِفَاعِ الْحَجْرِ عَنْهُ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ. وَأَمَّا الْأُنْثَى إِذَا بَلَغَتْ، فَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً، فَهِيَ عِنْدَ زَوْجِهَا، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا، فَعِنْدَ أَبَوَيْهَا أَوْ أَحَدِهِمَا إِنِ افْتَرَقَا، وَتَخْتَارُ مَنْ شَاءَتْ مِنْهُمَا، وَهَلْ تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، وَلَيْسَ لَهَا الِاسْتِقْلَالُ، وَالثَّانِي: لَا، بَلْ لَهَا السُّكْنَى حَيْثُ شَاءَتْ، لَكِنْ يُكْرَهُ لَهَا مُفَارَقَتُهُمَا، وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَصَحَّحَ ابْنُ كَجٍّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْأَوَّلَ، ثُمَّ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ بِاخْتِصَاصِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ، كَوِلَايَةِ الْإِجْبَارِ فِي النِّكَاحِ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ فِي ثُبُوتِهَا أَيْضًا لِلْأَخِ وَالْعَمِّ وَجْهَيْنِ.

قُلْتُ: أَرْجَحُهُمَا ثُبُوتُهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، وَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهَا صَاحِبَةُ اخْتِيَارٍ وَمُمَارَسَةٍ، وَبَعِيدَةٌ عَنِ الْخَدِيعَةِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَكُنْ تُهْمَةٌ، وَلَمْ تُذْكَرْ بِرِيبَةٍ، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَمَنْ يَلِي تَزْوِيجَهَا مِنَ الْعَصَبَاتِ مَنْعُهَا مِنْ الِانْفِرَادِ، ثُمَّ الْمَحْرَمُ مِنْهُمْ يَضُمُّهَا إِلَى نَفْسِهِ إِنْ رَأَى ذَلِكَ، وَغَيْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>