للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْمَقْتُولِ، وَلَوْ أَنَّهُ بَعْدَ مَا قَطَعَ وَاحِدًا، وَقَتَلَ آخَرَ قُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا، وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ، فَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ قُطِعَ قِصَاصًا ثُمَّ قُتِلَ قِصَاصًا، ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ، فَلِوَلِيِّهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي.

فَصْلٌ

سَبَقَ أَنَّهُ لَا تُقْطَعُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي يَمِينٍ وَاتَّفَقَا عَلَى قَطْعِ يَسَارٍ بَدَلَهَا، لَمْ يَكُنْ بَدَلًا، كَمَا لَوْ قَتَلَ غَيْرَ الْقَاتِلِ بِرِضَاهُ بَدَلًا، لَا يَقَعُ بَدَلًا، وَلَكِنْ لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ لِشُبْهَةِ الْبَذْلِ وَتَجِبُ دِيَتُهَا، وَمَنْ عَلِمِ مِنْهُمَا فَسَادَ هَذِهِ الْمُصَالَحَةِ، أَثِمَ بِقَطْعِ الْيَسَارِ، وَهَلْ يَسْقُطُ قِصَاصُ الْيَمِينِ بِمَا جَرَى؟ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ قِصَاصِ الْيَمِينِ لِلْجَانِي: أَخْرِجْ يَمِينَكَ، فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ، فَقَطَعَهَا الْمُسْتَحِقُّ، فَلِلْمُخْرِجِ أَحْوَالٌ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْيَسَارَ لَا تُجْزِئُ عَنِ الْيَمِينِ، وَأَنَّهُ يُخْرِجُ الْيَسَارَ وَيَقْصِدُ بِإِخْرَاجِهَا الْإِبَاحَةَ لِلْمُقْتَصِّ، فَلَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ وَلَا دِيَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

وَقَالُوا: قَدْ بَذَلَهَا صَاحِبُهَا مَجَّانًا، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِإِبَاحَةٍ قَالُوا: وَالْفِعْلُ بَعْدَ السُّؤَالِ كَالْإِذْنِ فِي الْمَسْئُولِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ: أَخْرِجْ يَدَكَ لِأَقْطَعَهَا، أَوْ قَالَ: مَلِّكْنِي قَطْعَهَا، فَأَخْرَجَهَا، كَانَ ذَلِكَ إِبَاحَةً.

وَلَوْ قَالَ: نَاوِلْنِي مَتَاعَكَ لِأُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ، فَنَاوَلَهُ كَانَ كَمَا لَوْ نَطَقَ بِالْإِذْنِ فِيهِ، فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ إِذَا أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ قَدَّمَ طَعَامًا إِلَى مَنِ اسْتَدْعَاهُ، كَانَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: كُلْ، وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ الْيَسَارِ إِذَا لَمْ يَتَلَفَّظِ الْمُخْرِجُ بِالْإِذْنِ فِي الْقَطْعِ، وَحُمِلَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا إِذَا أَذِنَ لَفْظًا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ.

وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَسَارُ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ أَمْ لَا، لَكِنْ إِذَا عَلِمَ، عُزِّرَ، وَعَنِ ابْنِ سَلِمَةَ احْتِمَالٌ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ إِذَا كَانَ عَالِمًا، وَلَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>