للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خشيت ببردٍ يابسٍ ... فلأجل ذاك الحشو تقلى

وقوله أيضاً:

على ذم القطيّفة اجتمعنا ... وإن حشيت ببردٍ قد تكرر

وقد أضحى عليها للزميتا ... بياضٌ مثلما قد ذرّ سكّر

ولم يكن المكفّن غير شخصٍ ... يكون إلى نواحيها مسيّر

وأبيات شهاب الدين الشاغوري مشهورة في الثلج. وهي:

قد أخمد الجمر في كانون حين قدح ... وأجمد الخمر في كانون كل قدح

يا جبة الزبداني أنت مسفرةٌ ... عن حسن وجهٍ إذا وجه الزمان كلح

فالثلج قطنٌ عليك السحب تندفه ... والجو يحلجه والقوس قوس قزح

ومن هذا قول أبي الفضل الكاتب:

وأطربنا غيمٌ يمازح شمسه ... فتستر طورا بالسحاب وتكسف

ترى قزحا في الجو يفتح قوسه ... مكبا على قطنٍ من الثلج يندف

قيل إن الثلج وقع مرة في بغداد، فقال بعض شعراء ذلك العصر:

يا صدور العراق لم نر ثلجا ... قبلها حلّ في نواحي العراق

إنما عمّ ظلمكم سائر النا ... س فشابت ذوائب الآفاق

ومما اتفق لي في ذلك:

تبا لها من بلدةٍ لا أرى ... فيها مقامي واضح النهج

لأنّها في وجه سكانها ... وأهلها تبصق بالثلج

[الحسن في أبيات ابن بقي]

بأبي غزال غازلته مقلتي قال وقد أورد في محاسن المعاني قول القائل:

بأبي غزالٌ غازلته مقلتي ... بين العذيب وبين شطّي بارقٍ

... الأبيات.

وهذا من الحسن والملاحة بالمكان الأقصى، ولقد خفت معانيه على القلوب حتى كادت ترقص رقصا، والبيت الأخير هو الموصوف بالإبداع، وبه وبأمثاله أقرت الأبصار بفضل الأسماع....

أقول: هذه الأبيات لابن بقي، وأوردها ابن الأبار في تحفة القادم ثم قال: وقد نسب بعض أهل عصرنا ابن بقي إلى الجفاء في قوله:

أبعدته عن مهجة تشتاقه ...

ولو قال: أبعدت عنه أضالعا تشتاقه، لكان أحسن.

ثم أورد بعد ذلك لأبي الحكم جعفر بن يحيى بن عتال الداني:

حبّك لذّ بكل معنى ... إلى كرى ملت أو سهاد

إن كان لا بد من رقادٍ ... فأضلعي هاك عن وساد

ونم على خفقها هدوّا ... كالطفل في نهنه المهاد

ولما وقفت أنا على ما ذكره ابن الأبار من الإيراد على ابن بقي، وأبيات ابن العتال خطر لي أن يكون ذلك نظما. فنظمت ذلك على روي ابن بقي ووزنه:

أبعدته من بعد ما زحزحته ... ما أنت عند ذوي الغرام بعاشق

هذا يدل الناس منك على الجفا ... إذ ليس هذا فعل صبٍ وامق

إن شئت قل أبعدت عنه أضالعي ... ليكون فعل المستهام الصادق

أو قل فبات على اضطراب جوانحي ... كالطفل مضطجعا بمهد خافق

فانظر إلى ما استحسنه ومدحه وفضله كيف أورد الناس عليه وعابوه، ولعمري إنه نقد حسن ومأخذ دقيق وإيراد متوجه.

وأما خفق الفؤاد واضطرابه من المحب، فللمتأخرين فيه مقاصد لطيفة المغزى. من ذلك قول الحظيري الوراق:

يقول لي حين وافى ... قد نلت ما ترتجيه

فما لقلبك قد جا ... ء خفقه يعتريه

فقلت وصلك عرسٌ ... والقلب يرقص فيه

وقول....

لا تنكروا خفقان قلبٍ ... جاء الحبيب إليه زائر

ما تلك إلا داره ... دقت له فيها بشائر

وقول ابن سناء الملك:

أما والله لولا خوف سخطك ... لهان عليّ ما ألقى برهطك

ملكت الخافقين فتهت عجبا ... وليس هما سوى قلبي وقرطك

وقول أبي الوليد بن الجنان الشاطبي:

وأبيك لم يخفق جناني إنما ... طربا بأيام العقيق يصفّق

لا يدّعي فيه الفؤاد خفوقه ... فوشاح من أهوى لعمري أخفق

وقول الآخر:

ملك القرط والفؤاد فحقا ... إن تسمّى بمالك الخافقين

واحد الحسن في الورى ثاني الغص ... ن إذا ماس ثالث القمرين

وقول البدر يوسف بن لولو الذهبي:

وأحوى فاتر الأجفان ألمى ... رشيقٍ قده رخص البنان

<<  <   >  >>