للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخرجت من كبد القوس ابنها فغدت ... تئنّ، والأمّ قد تحنو على الولد

وما درت أنّه لما رميت به ... ما سار من كبدٍ إلاّ إلى كبد

وأما الغيرة، فمن أبلغ ما جاء في ذلك قول ابن قلاقس من أبيات:

وابلائي من مخدّرةٍ ... دونها سورٌ وجدران

وأُسودٌ خاف سطوتها ... كلّ ما حازته خفّان

ورقيبٌ لو يلاحظها ... لتثنّى وهو غيران

وقول علي بن عبد الله الجعفري:

ربّما سرّني صدودك عنّي ... في طلابيك وامتناعك منّي

حذرا أن أكون مفتاح غيري ... وإذا ما خلوت كنت التّمنّي

وبالغت حفصة المغربية في قولها:

أغار عليك من غيري ومنّي ... ومنك ومن مكانك والزّمان

ولو أنّي خبأتك في جفوني ... إلى يوم القيامة ما كفاني

وأخذ جمال الدين ابن مطروح بعض هذا وقال:

فلو أمسى على تلفي مصرا ... لقلت: معذّبي بالله زدني

ولا تسمح بوصلك لي فإني ... أغار عليك منك، فكيف منّي

ومنه قول سعد الدين محمد بن عربي:

يا من أغار عليه منّي في الهوى ... فأصدّ عنه وقلبي المشتاق

صن حسن وجهك عن لحاظي إنّ لي ... قلبا يرى ولناظري إطراق

وما أحسن قول شهاب الدين ابن الخيمي:

وعذولٍ رابني في نصحه ... كلّما زدت هوىً زاد لجاجا

ما عذولي قطّ إلا عاشقٌ ... ستر الغيرة بالعذل ودجى

وقد نظمت أنا في معنى قول ابن الخيمي:

تداهى عذولي في الغرام ولم تكن ... مقاصده تخفى على عاشقٍ مثلي

أحبّ حبيبي ثم غار فخاف أن ... أفاتحه فيه فسابق بالعذل

على أن المتنبي في الأصل، أخذ المعنى من العباس بن الأحنف حيث يقول:

لم ألق ذا شجنٍ يبوح بحبه ... إلا حسبتك ذلك المحبوبا

حذرا عليك وإنني بك واثقٌ ... أن لا ينال سواي منك نصيبا

ومن الغيرة قول أبي تمام الطائي:

أغار عليك من قبلي ... وإن أعطيتني أملي

وأشفق أن أرى خدي ... ك نصب مواقع القبل

ومن الغيرة قول القائل:

خلص الهوى لك واصطفتك محبّتي ... حتى أغار عليك من ملكيكا

وأراك تخطر في محاسنك التي ... هي محنتي فأغار منك عليكا

ولو استطعت جرحت لفظك غيرةً ... إنّي أراه مقبّلا شفتيكا

وما ألطف قول عبد المحسن الصّوري، فإنه عكس المقصد لمّا قال:

تعلّقته سكران من خمرة الصبا ... به غفلةٌ عن لوعتي ولهيبي

يشاركني في حبّه كلّ أغيدٍ ... يشاركني في مهجتي بنصيب

فلا تلزموني غيرةً ما ألفتها ... فإنّ حبيبي من أحب حبيبي

[الاقتصاد في اللفظ]

قال: قال بشار بن برد:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطّيّبات الفاتك اللهج

أخذه سلم الخاسر وكان تلميذه فقال:

من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللّذة الجسور

فبين البيتين لفظتان في التأليف..

أقول: ما أنصف سلم الخاسر، وما يقال في هذا: بينهما لفظتان في التأليف إذ اللفظة تصدق على الحرفين، مثل: من وعن وما ... وغير ذلك. بل على الحرف الواحد كباء الجر ولامه، والأحسن في هذا أن يقال: بينهما تسعة أحرف. فإن الأول أربعة وأربعون حرفا، والثاني خمسة وثلاثون حرفا وكذا قول أبي العتاهية:

وإني لمعذورٌ على فرط حبّها ... لأنّ لها وجها يدلّ على عذري

أخذه أبو تمام فقال:

له وجهٌ إذا أبصر ... ته ناجاك عن عذري

الأول أربعة وأربعون حرفا، والثاني ستة وعشرون حرفا، فبينهما ثمانية عشر حرفا. وسلم الخاسر ممن له القدرة على الاختصار. ألا ترى قوله:

أقبلن في رأد الضّحى ... يسترن وجه الشّمس بالشّمس

وقول الآخر:

وإذا الغزالة في السّماء تعرّضت ... وبدا النّهار لوقته يترحّل

أبدت لعين الشّمس عينا مثلها ... تلقى السّماء بمثل ما تستقبل

وكذا قوله أيضاً:

<<  <   >  >>