للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: والذي انتقده قيه ابن رشيق يصح على القول الأول أن يجاب عنه بأنه أراد ما يشبه نسج داود في الجودة، فيستقيم به المعنى، وأما إنكاره في القول الثاني بقاء هذه الخيل من عهد عاد إلى زمان الشاعر، فلا ريب في أن ابن مقبل لم يرد بقاءها بأعيانها، وإنما أراد بقاء ما تناسل منها زمناً بعد زمن، فليس فيه غير المبالغة.

(ومن الخطأ) قول بعضهم:

كأنه سبط من الأسباط

قال في اللسان نقلاً عن ابن سيده: إنه ظن السبط الرجل فغلط. وفي المزهر: ((ظن أن السبط الرجل، وإنما السبط واحد الأسباط من بني يعقوب)) .

(ومثله) قول الآخر:

نقضّ أم الهام والترائكا

قالوا: الترائك: بيض النعام. فظن الشاعر أن البيض كله ترائك.

قلنا: لم يخطئ الشاعر. فإن بيضة الحديد التي للرأس يقال لها أيضاً: تريكة على التشبيه ببيضة النعامة.

(ومن وضع) كلمة موضع أخرى قول امرئ القيس:

إذا ما الثريّا في السماء تعرضت ... تعرّض أثناء الوشاح المفصّل

قالوا: غلط فذكر الثريا، وهو يريد الجوزاء، لأن الثريا لا تتعرض، وهو قول الجمحي. وقال بعضهم: تعرض الثريا أنها إذا بلغت كبد السماء أخذت في العرض ذاهبة ساعة، كما أن الوشاح يقع مائلاً إلى أحد شقي المتوشحة به.

(ومما أدركه) بعضهم على لبيد قوله:

نحن بني أم البنين الأربعة ... ونحن خير عامر بن صعصعهْ

أراد بأم البنين: جدته ليلى، وكانت ولدت أباه ربيعة بن مالك، وأعمامه: عامراً ملاعب الأسنة، وطفيلاً فارس قرزل، ومعاوية معود الحكماء، وعبيدة الوضاح، فكانوا خمسة لا أربعة كما قال، ولهذا حمل بعضهم قوله أربعة على الضرورة الشعرية.

والأكثرون على أنه لم يخطئ لأنه قال ذلك بعد موت أبيه. قال السهيلي: ((وإنما قال أربعة لأن أباه كان مات قبل ذلك، لا كما قال بعض الناس، وهو قول يعزى إلى الفراء أنه قال: إنما قال أربعة ولم يقل خمسة من أجل القوافي، فيقال له: لا يجوز للشاعر أن يلحن لإقامة وزن الشعر، فكيف بأن يكذب لإقامة الوزن)) .

[القسم الخامس]

ومن هذه الأوهام (القلب) عند من لا يرى جوازه، وهو أن يجعل أحد أجزاء الكلام مكان الآخر، والآخر مكانه مع إثبات حكم كل للآخر، نحو: قطع المسمار الثوب. وأدخلت رأسي في القلنسوة. لأن المسمار هو القاطع للثوب، والرأس هو المدخل في القلنسوة.

وقد اختلف فيه النحاة والبيانيون، فأجازه بعض النحاة لوضوح المعنى، وخصه بعضهم بالضرورة، وقبله بعض البيانيون مطلقاً، ورده بعضهم مطلقاً على ما هو مفصل في كتبهم. وذهب بعض البانيين إلى قبوله أن تضمن اعتباراً لطيفاً، كقول رؤبة بن العجاج:

ومهمه مغبّرة أرجاؤه ... كأنّ لون أرضه سماؤه

فالأصل: كأن لون سمائه لما فيها من الغبار لون أرضه. قالوا: والإعتبار اللطيف وهم المبالغة في وصف لون السماء بالغبرة حتى كأنه صار بحيث يشبه به لون الأرض في ذلك مع أن الأرض أصل فيه. واعترض بعضهم بأن هذا لا ينبغي إجراء الخلاف فيه لأنه على هذا الاعتبار يكون من التشبيه المقلوب وقلب التشبيه متفق عليه، فكأن الأولى التمثيل بقول الشاعر:

ورأين شيخاً قد تحنى صلبه ... يمشي فيقعس أو يكبّ فيعثر

لأن الأصل: أو يعثر فيكب، أي يسقط على وجهه. والاعتبار اللطيف أن في القلب تخييل أنه من غاية ضعفه يسقط على وجهه قبل عثاره. ومثلوا للقلب المردود لعدم تضمنه هذا الاعتبار اللطيف بقول القطامى يصف ناقته:

فلمّا أن جرى سمن عليها ... كما طيّنت بالفدن السياعا

<<  <   >  >>