للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا زعمت بنو سعد بأني ...

ألا كذبت

كبير السن فاني

فقوله "ألا كذبت" اعتراض بين أول الكلام وآخره، وفيه مبالغة فيما أراده.

وقالوا بل قول كثير وافر:

لو أن الباخلين ... وأنت منهم

رأوك تعلموا منك المطالا

فقوله "وأنت منهم" اعتراض في الكلام، وزيادة حسنة فيه، قبل أن يتم ما ابتدأ به وأحسن من ذلك قول جرير طويل:

فظلوا بيوم ... دع أخاك بمثله

على مشرع يروى ولما يصرد

[٥٣ قال أبو علي: وهذا مثل قول الأخطل:]

فإني إن أفتك يفتك مني ... فلا تسبق به علق نفيس

فقول فلا تسبق اعتراض لطيف مرض.

٥٤أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال أخبرنا يحيى بن علي عن أبيه، عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي،: قال لي الأصمعي: أتعرف التفاتات جرير؟ قلت: وما هي؟ فأنشدني وافر:

أنس، إذ تودعني سليمى ... بفرع بشامة سقي البشام

ألا تراه مقبلاً شعره، ثم التفت إلى البشام، فدعا له!؟

[أحسن ما قيل في التصدير]

٥٥ قال أبو علي: هو أن يبدأ الشاعر بكلمة في البيت: في أوله أو في عجزه، أو في النصف منه، ثم يردها في النصف الأخير فإذا نظم الشعر على هذه الصنعة تهيأ استخراج قوافيه، قبل أن يطرق أسماع مستمعيه، وقال: هو الشعر الجيد، وأحسن ما قيل في ذلك قول عامر بن الطفيل طويل:

وكنت سناماً في فزارة تامكاً ... وفي كل حين ذروة وسنام

[٥٦ وقال آخرون: بل قول جرير طويل:]

سقى الرمل جون مستهل ربابه ... وما ذاك إلا حب من حل بالرمل

[٥٧ وقال آخرون: بل قول الآخر طويل:]

سريع إلى ابن العم يشتم عرضه ... وليس إلى داعي الندى بسريع

[٥٨ وقال أبو علي: وأنا أقول: بل قول ابن أحمر طويل:]

تغمرت منها بعدما بعد الصبا ... ولم يرو من ذي حاجة من تغمرا

[حسن ما قيل في الاستثناء]

[٥٩ قال أبو علي: وأحسب أن أول من بدأ به، النابغة. فأحسن كل الإحسان في قوله طويل:]

ولا غيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

فان هذا تأكيد للمدح بما يشبه الذم، فمن أحسن ما ورد في هذا النوع الربيع بن ضبيع الفزاري طويل:

فنيت ولا يفنى صنيعي ومنطقي ... وكل امرئ

إلا أحاديثه

فان

[٦٠ وقال الآخرون: بل قول الآخر طويل:]

فلا تبعدن إلا من السوء إنني ... إليك وإن شطت بك الدار نازع

[٦١ وقيل بل قول العكلي كامل:]

في كفه معطية منوع ... موثقة صابرة جزوع

[٦٢ وقال آخرون بل قول الآخر في وصف مروق السهم:]

"حتى نجا من جوفه وما جا"وفي معناه لآخر "غادر داء ومجا صحيحاً".

[٦٣ وقال أبو علي: وأنا أستحسن قول أبي هفان طويل:]

فإن تسألني عنا فإنا حلى العلا ... بني عامر، والأرض ذات المناكب

ولا عيب فينا غير أن سماحنا ... أضربنا، والبأس من كل جانب

وأفنى الردى أعمارنا غير ظالم ... وأفنى الندى أموالنا غير عائب

أبونا أب لو كان للناس كلهم ... أباً واحداً أغناهم بالمناقب

وتروي لغيره ... أنه أحسن استثناء في هذا الباب، وتعمد التقدم على الذبياني وهو قول النابغة الجعدي طويل:

فتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد فما يبقى من المال باقيا

فتى تم فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا

فقوله "غير أنه جواد" في البيت الأول، وقوله في الثاني "على أن فيه ما يسوء الأعاديا" أبرع الاستثناء وألطفه.

[أبدع ما قيل في الاستطراد]

٦٤ قال أبو علي: هذا باب أعجب به المحدثون جداً، وتخيلوا أنهم لم يسبقوا إليه، وليس الأمر كذلك.

٦٥ أخبرني محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثني علي بن محمد الأنباري، قال: سمعت البحتري يقول: أنشدني أبو تمام قطعة يهجو عثمان بن إدريس السامي بسيط:

وسابح هطل التعداء هتان ... على الجراء أمين غير خوان

أظمى الفصوص ولم تظمأ قوائمه ... فخل عينيك في ظمآن ريان

فلو تراه مشيحاً والحصى زيم ... بين السنابك من مثنى ووحدان

أيقنت ... إن لم تثبت

أن حافره

من صخر تدمر أو من وجه عثمان

<<  <   >  >>