للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جفت عيني عن التغميض حتى ... كأن جفونها عنها قصار

يروعه السرار بكل شيء ... مخافة أن يكون به السرار

فلم يتهيأ لي، أن ألحق بهذا القول، "قال: فصار الرجل إلى بشار فقال له: قلت أحسن بيت، ثم أفسدته بالبيت الثاني، قال بشار: "أردت أن ألحق المجنون في قوله [وافر] :

كأن القلب ليلة قيل يغدي ... بليلي العامرية أو يراح

قطاة عزها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح

لها فرخان في أيك بقفر ... على غصن تميله الرياح

إذا سمعا هبوب الريح نصاً ... وقد أودى بأمهم المناح

فلا في الليل نالت ما ترجى ... ولا في الصبح كان لها براح

"فلم أستطع أن أقول ذلك".

٩١٥ أخبرنا محمد بن يحيى عن عون بن محمد الكندي قال: أخبرنا إسحاق بن [إبراهيم] الموصلي وقال: ما أنشدت الأصمعي بيتاً قط إلا [وأنشدني] مثله، حتى كأنه جعله معداً لذلك، قال: فأنشدني الأصمعي [بيتي..

قتلتك أخت [بني ... ... ... قبله.. [هو] اها

وأعا [رها...... ... .......غيرك ودها وهواها

قال: ثم [قال] الأصمعي [ففي هذين كان] متبعاً و [لولا أنه] قد جاء بالمعنى في بيتين لكان أحق [بالمعنى] قال: وقد قال آخر فقصر في هذا المعنى [طويل] :

جننا على ليلى وجنت بغيرنا ... وأخرى بنا مجنونة ما نريدها

[٩١٦ ومن أحسن التكافؤ قول الأعشى [طويل] :]

وأرعن مثل الطود غير إشابة ... تناجز أولاه ولم يتصرم

[فقال] غيره وأحسن، وإن كان تبعه [طويل] :

بجيش لهام يحسب الطرف أنهم ... وقوف لحاج والركاب تملج

[٩١٧ وقول الأعشى يصف ناقته [كامل] :]

بجلالة سرج كأن بدفها ... هراً إذا انتعل المطي ظلالها

فقال [الآخر] وتجاوز ذكر الهر وتشبيهها في سراحها بحلولها بدفها، وزاد في تشبيه الظل زيادة بارعة، سد بها ذلك الخلل، وأحسن عنها العبارة [طويل] :

وقد أنعلتها الشمس ظلالاً كأنه ... قلوص حبارى ومنها قد تمددا

[باب]

[نقل المعنى إلى غيره]

٩١٨ وهذا باب ينقل فيه المعنى عن وجهه الذي وجه له، واللفظ عن طريقه التي سلك به، فيها إلى غيره، وذلك صنعة راصة الكلام، وصاغة المعاني، وحذاق السراق، إخفاء للسرق، والاحتذاء، وتورية عن الاتباع والاقتفاء.

٩١٩ وسأكتب في هذا الباب من هذين النوعين ما يكون دلالة على استنباط أساليبه، ومعرفة ضروبه وأفانينه.

٩٢٠ وأكثر ما يطوع النقل في المعاني خاصة، للمحدثين، لأنهم فتحوا من نوار الكلام ما كان هامداً، وأيقظوا من عيونه ما كان راقداً، وأجروا من معينه ما كان راكداً وأضحكوا من مباسمه ما كان قاطباً، وحلوا من أجياده ما كان عاطلاً.

[٩٢١ فمن أحسن النقل قول امرئ القيس في صفة الثقة بالفرس [طويل] :]

إذا ما ركبنا قال ولدان أهلنا ... تعالوا إلى أن يأتي الصيد نحطب

فنقل هذا المعنى ابن مقبل إلى صفة القدح فقال [طويل] :

إذا استخبرته من معد عصابة ... غدا ربه قبل المفيضين يقدح

فوصف ثقته بقوته، فأخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال [رجز] :

قد وثق القوم له بما طلب ... فهو إذا جلى لصيد واضطرب

عروا سكاكينهم من القرب

٩٢٢ وقال امرؤ القيس يصف فرساً [طويل] :

طويل عريض مطمئن كأنه ... بأسفل ذي سيفين سرحة مرق ب

فنقلته الخنساء إلى المدح، وزادت فيه زيادة لطيفة فقالت [بسيط] :

وإن صخراً لتأتم الهدأة به ... كأنه علم في رأسه نار

فنقله أبو نواس إلى وصف الخمر فقال [رمل] :

فاهتدى ساري الظلام بها ... كاهتداء السفج بالعلم

[٩٢٣ ومن النقل قول امرئ القيس [طويل] :]

فظل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهداب الدمقس المفتل

وجرى على السبيل المجنون فقال [طويل] :

أشارت بموشوم كأن بنانه ... كهداب ريط من دمقس مفتل

[باب]

[تكافؤ السابق والسارق في الإساءة والتقصير]

٩٢٤ وهذا باب يجري ونظائره في كتابنا الموسوم "بالحالي والعاطل في نقد الشعر" وقد أوردت هاهنا درراً يستدل بها على أمثالها.

[٩٢٥ قال الفرزدق، وأساء الأمنية [طويل] :]

فياليتنا كنا بعيرين لا نجد ... على منهل إلا نشل ونقذف

<<  <   >  >>