للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سقينا الإبل غباً بعد عشر ... ووكرنا المزاد من الجلود

وقطعنا مشافرنا وخفنا ... أجرتها فما اجترت بعود

ويروى "عشرا بعد غب". ووكرنا: ملأنا. يقال: وكر سقاك، أي املأه. والمزاد: جمع مزادة، وهي التي يقال لها اليوم راوية. قال الأصمعي: استعملوها حتى جعلوا المزادة راوية. وقطعنا مشافرنا: كانوا إذا أرادوا أن يسلكوا مفازة لا ماء فيها، أو ردوا الإبل، وقد عطشوها قبل ذلك، فتكثر من شرب الماء، ثم تقطع مشافرها، لئلا تجتر ولا ترعى فيكون أبقى للماء في أجوافها. فإذا صاروا في المفازة نحروها، فافتظوا أكراشها، أي عصروها فشربوا ذلك الماء، وهو صاف إلا أن فيه رائحة كريهة.

[١٠٧٨ومثله قول الآخر [بسيط] :]

وشارب ما وعاه بطن شاربة ... رياً فأحياه ميت بعدما ماتا

[أحسن ما ورد من أبيات المعاني في وصف القفز]

[١٠٧٩فمن أحسن ما ورد في ذلك قول الشاعر [طويل] :]

ومستامة تستام وهي رخيصة ... تباع براحات الأيادي وتمسح

هذه فلاة مستامة، تسومه فيها، أي ترعى، ورخيصة: لا يمتنع منها أحد ولا تمنع. وتباع الابل بأنواعها فيها. وبراحات: بأخفاف. والأيادي: جمع يد. وتمسح: تقطع.

[١٠٨٠ومن أحسن ما قيل في هذا، قول الآخر [بسيط] :]

وبلدة خلق لون التراب بها ... كأن غيطانها غرثى مهازيل

لا عود للركب فيها بعد بدئهم ... إن لم يكن بركاب القوم تبديل

يقول: إذا بقي التراب حياً، لم يوطأ ولم يسلك فهو خلق. ودار خلق: إذا لم يسكن فيها. وقوله "كأن غيطانها غرثى مهازيل" يقول كأنها لانخفاضها بطون جياع ليس فيها شيء، فهي منخفضة. والغيطان كذلك. وصيرها مهازيل لأنها أبين انخفاضها من بطون السمان. وقوله "لا عود للركب فيها" يقول لمن لم يكن لهم ظهر يستظهرون به على مالورزيء ومات من إبلهم، لم يقدروا أن يعودوا منها.

[١٠٨١ومن أحسن ما ورد في هذا المعنى قول ذي الرمة [وافر] :]

بأغبر نازح نسجت عليه ... رياح الصيف شباك القتام

كأن دويه من بعد هدءٍ ... دوي غناء أروع مستهام

قالت الأعراب: ليس به صوت ولا شيء يسمع إلا تحدث الأرض. قال ابن الأعرابي وكيف تتحدث الأرض؟ قال: حديثها أن تسمع هيمنة لا تفقه منها شيئاً، ولا يكون ذلك إلا أن يكون الرجل وحده وقد خاف على نفسه أن يضل ويعطش. فذلك حين يهول له، ويخيل إليه أنه يسمع أصواتاً، وإنما ذلك دوي الأرض تلك الساعة.

[١٠٨٢ومثله حميد بن ثور [متقارب] :]

وخرق تحدث غيطانه ... حديث العذارى بأسرارها

[١٠٨٣ومن أجود ما ورد في هذا الباب قول الآخر [طويل] :]

ألا قبح الرحمن أرضاً حديثها ... بها مثل أنباء القرون الذواهب

فيوماً ترانا في مسوك جيادنا ... ويوماً نصلي في مسواك الثعالب

أي تتحدث فيها بما أصابنا من الشدة والبلاء كما يتحدث بأحاديث الأمم الخالية. وقوله: نصلي في مسوك جيادنا، يقول نؤسر فتذبح جيادنا أي خيلنا فيأكلون من لحمها مما يقد من سيور جلودها. وقوله: ويوماً في مسوك الثعالب، يقول: نفر خوفاً فكأننا في مسوك الثعالب. والعرب تضرب المثل بروغان الثعلب.

[١٠٨٤ومن أناشيد الباهلي [طويل] :]

بأرض ترى فيها الحبارى كأنها ... قلوص أضلتها بعكن عبيرها

أي الأرض مستوية، فإذا رأيت الشيء الصغير فيها رأيته كبيراً.

[١٠٨٥ومثله للحطيئة [طويل] :]

بأرض ترى فرخ الحبارى كأنه ... بها راكب موف على ظهر قردد

[١٠٨٦ومثله ابن أحمر [سريع] :]

كأنما المكاء في بيدها ... سرادق قد أوفدته الأصر

أوفدته: أشخصته. والأصر: يريد الأطناب، وحكي بعض الأعراب أنه رأى بعيراً في أرض مستوية فحسبها قطار إبل.

[١٠٨٧وقال الآخر [طويل] :]

ودو ككف المشتري غير أنه ... بساط لأخماس المراسيل واسع

الدو: الأرض المستوية. وشبهها بكف المشتري لأنه يبسطها ليصفق عليها لوجوب البيع. والمراسيل: الإبل السهلة، واحدها مرسال. وهي التي تسقط أجنتها في الطريق وهم يستدلون بها.

[١٠٨٨]

يحاحي بها الجلد الذي هو صابر ... بضربة كفيه الملا نفس راكب

<<  <   >  >>