للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٤٥٣- أخبرنا أبو عمر قال: أخبرنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي عن المفضل عن الشعبي قال: سألني عبد الملك بن مروان-رحمه الله- عن أحسن ما قيل في صفة.....، فأنشدته لمعاوية بن صعصعة، عم الأحنف [متقارب] :

بذي وهج يصطلي كينه ... يكاد يمزق جلد.....

قال: وبين يديه شيخ طوال، أحمر، لم أكن أعرفه قبل ذلك. فقال: يا هذا أين أنت عن قول أشعر الشعراء؟ قال: قلت: ومن أشعر الشعراء؟ قال الذي يقول [كامل] :

وإذا لمست، اخثم جاثماً ... متحيزا بمكانه ملء اليد

وإذا رأيت، رأيت أقمر مشرفا ... ومركنا ذا زرنب كالجلمد

وإذا طعنت، طعنت في مستهدف ... رابي المجسة بالعبير مقرمد

وإذا نزعت، نزعت من مستحصف ... نزع الحزور بالرشاء المحصد

ويكاد ينزع جلده من غلة في ... ها لوافح كالحريق الموقد

لا وارد منها يجوز إذا استقى ... ضررا، ولا صدى يجوز لمورد

قال: "وإذا ذلك الشيخ: الأخطل. وكان أول معرفتي به".

-قوله "زرنب" يريد لحم ظاهر الفرج. "وكينه" الكين: لحم داخله.

فشبهه بالجلمد في صلابته، واكتنازه. و"مستهدف": منتصب كالهدف و"العبير": الزعفران. وقوله "وإذا نزعت" وصفه بالضيق، وإنه أراد أن ينزع منه ذكره، ضعف عن ذلك لضيقه، كما يضعف الحزور-وهو الغلام الذي احتلم، أو قارب الحلم-عن استيفاء الماء.

أحسن ما قيل في البكاء قبل الفراق وحذراً من وقوعه

١٤٥٤- قال أبو علي: أول من نطق بهذا المعنى: قيس بن الملوح. وهو مجنون بني عامر. بقوله [طويل] :

وإني لأبكي اليوم، من حذري غداً ... فراقك، والحيان مؤتلفان

سجالاً، وتهتانال، وسحاً، وديمةً ... وويلاً، وتسجاما، وتثتلبان

١٤٥٥- والبيت الثاني من هذين البيتين مسروق من قول امريء القيس [طويل] :

أمن أجل أعرابية، حل أهلها ... يجزع الملا، عيناك تبتدران

فدمعهما سح، وسكب، وديمة ... ورش، وتوكاف، وتنهملان

١٤٥٦-ومن مليح ما في معاني الشعر ما حكاه اسحاق الموصلي في هذين البيتين، قال: أتعرف في قول امريء القيس "أمن أجل أعرابية" خبيثاً، باطنه غير ظاهره؟ قلت: لا فسكت عني. فقلت: إن كان فيه شيء فأفدنيه. قال: نعم! أما يدلك البيت على أنه لفظ ملك مستهين، ذي قدرة على ما يريد؟! قال إسحاق: وما رأيت أحداً قط مثل الأصمعي في العلم بالشعر، ولا مقارباً لمعناه.

١٤٥٧- فتبع المجنون ذو الرمة- وقد روى بعض الناس هذه الأبيات لقيس ابن ذريح [طويل] :

وقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... بناوبكم عن علم ما البين صانع

وأشفق من هجرانكم، وتشفني ... مخافة وشك البين والشمل جامع

١٤٥٨- وكرر قيس هذا المعنى فقال [طويل] :

وقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... حذار الذي لما يكن وهو كائن

وما كنت أخشى أن تكون منيتي ... بكفيك إلا أن ما حان حائن

١٤٥٩- وأحسن كل الإحسان العباس بن الأحنف في هذا المعنى.

وكان الجاحظ يزعم أنه من المعاني التي أبدع فيها ولم يسبق إليها [منسرح] :

تبكي رجال على الحياة وقد ... أفنى دموعي شوقي إلى أجل

أموت من قبل أن يغيرك الده ... ر، فاني منه على وجل

١٤٦٠- أخبرني محمد بن يحيى قال سمعت أحمد بن يحيى يقول: ما رأيت أحداً، إلا وهو يستحسن قول ابن الأحنف [منسرح] :

قد كنت أبكي وأنت راضية ... حذار هذا الصدود والغضب

إن تم هذا الهجر يا ظلوم ولا ... تم فمالي في العيش من أرب

[أحسن ما قيل في تناسب الأرواح دون تناسب الأشباح]

١٤٦١- أول من نطق بهذا المعنى، وأبدعه، رسول الله (ص) في قوله "الأرواح جنود مجندة، فما تفارق منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" ويروى هذا الخبر بهذا اللفظ عن على بن أبي طالب رضي الله عنه. رواه شفيان عن حبيب أبي الطفيل عن علي. قال الشيخ: وأخلق بأن يكون كلامه، لأنه قد روى لطرفة [طويل] :

تعارف أرواح الرجال إذا التقت ... فمنهم عدو يتقي وخليل

وإن امرءاً لم يعف يوماً فكاهة ... لمن لم يرد سوءاً به الجهول

وقد طعن قوم من أصحابنا على هذين البيتين. وزعموا أنهما من المنحول.

١٤٦٢- ومن أناشيد إسحاق الموصلي في هذا المعنى [طويل] :

<<  <   >  >>