للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عهدي بهم في النقب قد سندوا ... يهدي صعاب مطيهم ذلُلَه)

٨١٨ أخبرني محمد بن عمران قال: أخبرني علي بن سلمان عن محمد بن يزيد قال حدثني الجاحظ، قال لنا "نقعد بعد صلاة العصر في حلقة الأصمعي للمذاكرة قبل حضور، فجاءنا شيخ في بعض الجمعات، فذاكرنا أحسن مذاكرة، ومر فيما مر قول مهلهل [خفيف] :

أنبضوا معجس القسي وأبرة ... ناكما ترعد الفحول الفحولا

قال الجاحظ: فقلت: سمعت الأصمعي يقول: إنها مصنوعة، فقال [الشيخ] سمعت الأصمعي يقول ذلك، وهي من مولدي العقيق، فلما انصرف مدحته بالهدي وحسن المذاكرة، وقلت: أتى بلفظه، من حيث قال "من مولدي العقيق" فقال لي أصحابنا: أما تعرف هذا؟ قلت: لا فقالوا: "هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي".

درر مما نحلته العلماء الشعراء

٨١٩ أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن أحمد بن مهدي الكاتب قال: أخبرنا إبراهيم بن عرفة قال: سمعت المبرد يقول "كان خلف الأحمر عجيب الذهن، حسن التصرف في أساليب الشعر، وكان مع اقتداره واتساعه يعد مقلاً لما كان ينحله الشعراء المتقدمين كأبي دؤاد والشفري وتأبط شراً، ومن لا شهرة له من الشعراء، قال: وكان أتى الكوفة فأقرأ أهلها أشعار أبي دؤاد، ونحله شيئاً كثيراً لم يقله، وأخذ منهم على ذلك البر الجزيل ثم تنسك فعاد إليهم، فأخبرهم بما كان منه في إنحال هؤلاء الأشعار، وأن كثيراً مما نسبه إلى أبي دؤاد ليس له، وإنما أنحله إياه من قوله [وهو] فلم يعرجوا على كلامه".

٨٢٠ قال المبرد "وكان خلف علامة، يقول الشعر عبثاً واعتداداً، وكان الأصمعي ينحل الشعراء أيضاً نحواً من ذلك، إلا أنه [لم يكن يتسع] اتساع خلف".

٨٢١ ويروى أن خلفا الأحمر سمع امرأة من بني القين تنشد بيتاً في أخيها ترثيه في حرب كانت بين بني القين وكلب -وهما ابنا جسر من قضاعة-: [رمل] :

رملت لمة كوس بدم ... كل ما ذلك غسل للفتى

فعمل خلف قصيدة، وأدخل فيها البيت وأنحلها إياها:

من لعين ارقت بعد الكرى ... سهاد أم دها العين قذا

ليت شعري عن قبيلي إذا ... شمرت عن ساقها الحرب غدا

أي حيينا إذا ما التقيا ... يجعل الحرب طحينا للرحا

أعلى القين بن جسر أم على ... إخوتي كلب وكل لا ترى

أسد غيل لقيت أقرانها ... خفضوا للموت أطراف القنا

وسعى الدهر لهم حتى إذا ... أحكمت مرته نقض القذا

رملت لمة كوس بدم ... كل ما ذلك غسل للفتى

وكذلك الدهر لا يعجزه ... قادر يعقل في صعب الذرى

شاهق يزلق عن قلته ... خلب اللقوة مجرود القرا

٨٢٢ أخبرنا علي بن هرون قال: أخبرني أبي، هرون بن علي المنجم قال: كان خلف بن حيان الأحمر -وهو أكبر الشعراء المحسنين، والرواة المتقدمين- يبلغ من حذقه واقتداره على الشعر أن يشبه شعر القدماء، حتى يشتبه بذلك على جلة الرواة، ولا يفرقون بينه وبين الشعر القديم، فمن ذلك قصيدته التي نحلها ابن أخت تأبط شراً، التي أولها [رمل] :

إن بالشعب الذي دون سلع ... لقتيلاً دمه ما يطل

[وفيها] :

خبر ما جاءنا مصمل ... جل حتى دق فيه الأجل

فقال بعضهم "جل حتى دق فيه الأجل" من كلام المولدين، فحينئذ أقربها خلف.

٨٢٣ وحكى ابن سلام "أن أبا عبيدة كان يزعم أن المفضل صنع بعض القصائد التي اختار، ونسب ما صنع منها إلى رجال هو فيما صنع لهم أشعر منهم في صحيح أشعارهم".

٨٢٤ أخبرني أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري قال: أخبرني عبد الله بن المعتز قال: حدثني أبو الحسن الحضري قال: سمعت الرياشي يقول: قلت لأبي عبيدة: إن أبا زيد، أنشدنا عن المفضل [رجز] :

شالوا عليهن بشل علاها ... واشدد بمشى حقب حقواها

ناجية وناجياً أباها قال: وقال لي: "اكتب عليها، هذه وضعها المفضل".

[٨٢٥ وقال ابن سلام: "ويروي الناس لأبي سفيان بن الحارث يخاطب حسان ابن ثابت [طويل] ك]

أبوك أبو سوء وخالك مثله ... ولست بخير من أبيك وخالك

وإن أحق الناس ألا تلومه ... على اللوم من ألفى أباه كذلك

<<  <   >  >>