للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبلى النوى جلدي وأوقد في الحشا ... نيران وجد ما لها إطفاء

فقدت لطول البين عيني ماءها ... فبكاؤها بدل الدموع دماء

فارقت أوطاني وأهل مودتي ... وخرائداً غيداً لهن وفاء

من كل مائسة القوام إذا بدت ... لجمال بهجتها تغار ذكاء

ما أسفرت والليل مرخ ستره ... إلا تهتك دونها الظلماء

ترمي القلوب بأسهم تصمي وما ... لجراحهن سوى الوصال دواء

شمس تغار لها الشموس مضيئة ... ولها قلوب العاشقين سماء

هيفاء تختلس القلوب إذا رنت ... فكأنما لحظاتها الصهباء

ومعاشر ما كان صدق ولائهم ... نقض العهود ولا الوداد مراء

ما كنت أحسب قبل يوم فراقهم ... أن سوف يقضى بعد ذاك بقاء

فسقى ثرى وادي دمشق وجادها ... من هاطل المزن الملث حياء

فيها أهيل مودتي وبتربها ... لجليل وجدي والسقام شفاء

ورعى ليالينا التي في ظلها ... سلقت ومقلة دهرنا عمياء

أترى الزمان يجود لي بإيابها ... ويتاح لي بعد البعاد لقاء

فإلى متى يا دهر تصدع بالنوى ... أعشار قلب ما لهن قواء؟

وتسومني منك المقام بذلة ... ولهمتي عما تسوم إباء

فأجابني لولا التغرب ما ارتقى ... رتب المكارم قبلك الآباء

فاصبر على مر الخطوب فإنما ... من دون كل مرة ضراء

واترك تذكرك الشام فإنما ... دون الشآم أهلها بيداء

[شعر]

الحرفوشي وممن نقل عنه صاحب "السلافة" الشيخ محمد بن علي ابن الحرفوشي الحويزي العاملي الشامي، وقال في حقه: منار العلم السامي وملتزم كعبة الفضل وركنها الشامي مشكاة الفضائل، ومصباحها المنير به مساؤها وصباحها، خاتمة أئمة العربية شرقاً وغرباً، والمرهف من كهام الكلام شباً وعربا، أماط عن المشكلات ثيابها، وذلل صعبها، وملك رقابها ألف بتأليفه شتات الفنون، وبتصانيفه الدر المكنون إلى زهد فاق به خشوعاً وإخباتا، ووقار لا توازيه الرواسي ثباتاً، وتأله ليس لابن أدهم غرره وأوضاحه، وتقدس ليس للسري سره وإيضاحه، وهو شيخ شيوخنا الذي عادت علينا بركات أنفاسه، واستضأنا من بواسطة من ضيا نبراسه، وله الأدب الذي أينعت ثمار رياضه، وتبسمت أزهار حدائق وغياضه، فمن مطرب كلامه الذي سجعت به على الأغصان أنامله على أقلامه، وقوله مادحاً شيخه شرف الدين الدمشقي سنة١٠٢٦ ست وعشرين ألف.

إذا منحت جفوني القرار ... فمر طارق الطيف يدني المزار

فعلك تثلج قلباً به ... تأجج وجداً وزاد أستعار

وانى يزور فتى قد براه ... سقاٌ يمض ولو زار حار

خليلي عوج على رامةٍ ... لأنظر سلعاً وتلك الديار

وعج بي على ربع من قد نأى ... لأسكب فيه الدموع الغزارة

فقلبي من يوم نم المطي ... ترحل عني إلى حيث سار

فهل أنشد لي وادي العقيق ... عنه فإني عدمت القرار

بنفسي رشاً فاتك فاتن ... إذا ما تثنى يفوق العذارى

وإما رنا باللحاظ أنبرت ... قلوب الأنام لديه حيار

ومن عجب إنها لم تزل ... تعاقب بالحد وهي السكارى

وأعجب من ذا رأينا بها ... انكساراً يقود إليها انتصار

ولم أرى منها قبلها سافكاً ... دماءً ولم يخشى في القلب ثار

تعير الغزالة من وجهها ... ضياءً وتسلبُ منها النفار

وتحمي بمرهف أجفانها ... جنياً من الورد والجلنار

تملكتني عنوة والهوى ... إذا ما أغار الحذار الحذار

يرق العذول إذا ما رأى ... غرامي ويمنحني الاعتذار

ومن رشقته سهام اللحاظ ... فقد عز برءاً وناء اصطبار

حنانيك لست بأول من ... دعاه الغرام قلبي جهار

ولا أنت أول صب جنى ... على نفسه حين أضحى جبار

فرفقاً بقلبك واستبقه ... فقد حكم الوجد فيه وجار

وعج من حديث الهوى واقرعن ... ال مدح من في العلى لا يجارى

إمام توحد في المكرمات=ونال المعالي والافتخارا

وأدرك شأو العلى يافعاً ... والبس شانيه منه الصغارا

سما في الكلام الى غاية ... وناهيك من غاية لا تبارى

مناقبه لا يطيق الذكي ... بياناً لمعشارها وانحصارا

<<  <   >  >>