للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينبوعها خضلٌ وحليُ قريضها ... خليُ الهدى ونسيجها موضون

أمّا المعاني فهي إبكارٌ إذا ... نُصَّت ولكنَّ القوافي عون

أحذاكها صنعُ الضمير يمدَّه ... جفرٌ إذا نضب الكلام معينُ

ويسيء بالإحسان ظناً لا كمن ... يأتيك وهو بشعره مفتون

يرمي بهمّتهِ إليك وهمَّه ... أملٌ له أبداً إليك حُرون

فمُناه في حيث الأماني رُتَّعٌ ... ورجاؤه حيث الرجاء كنين

ولعلَّ ما يرجوه مما لم يكن ... بكَ عاجلاً أو آجلاً سيكون

أقول لقد جاوزت القدر وأخللت بما اشترطت من الاختصار، وأكثرت من شعر الزجل لأني كلما نقلت قصيدة ونظرت التي بعدها فإذا هي مثلها أو أجود منها حتى تمادى بي استحسان شعره إلى الإكثار منه، فلله دره من شاعر! ما أعذب مقاله وأوسع مجاله وارق معانيه واثبت مبانيه.

[شعر]

أبي عُبادة البحتري

[قال البكري]

هو الوليد بن عبيد بن يحيى من بني بحر بن عتود بن عنبس بن سلامان بن نفيل بن عمرو بن الغوث بن جلهمة وهي طيء، شاعر مقدم لا يعدل به أحد يفضل على حبيب والناس في تفضيلهما على اختلاف.

[قال أبو الفرج]

كان البحتري شاعراً فصيحاً حسن المذهب، نقي الكلام، ختم به شعراء المحدثين وله تصرف في ضروب الشعر سوى الهجاء فإن بضاعته فيها نزرة. قال عبد الله بن الحسن: سألت المبرد عن أبي تمام والبحتري أيهما أشعر فقال: لأبي تمام استخراجات لطيفة ومعان ظريفة وجيدة أجود من شعر البحتري ومن تقدمه من المحدثين وشعر البحتري أحسن استواء من شعره لأن البحتري يقول القصيدة كلها فتكون سليمة من طعن طاعن وأبو تمام يقول البيت النادر والبارد وهذا المعنى كان أعجب إلى الأصمعي وما أشبهه إلا بغائص يخرج الدرة والمخشلبة وهي زجاجة توضع مكان الدرة ثم قال: لأبي تمام والبحتري من المحاسن ما لو قيس بأكثر شعر الأوائل ما وجد فيه مثله وللبحتري بيتان لو وضعا في شعر زهير لجازا فيه وهما:

فما سفه السفيه وإن تعدى ... بأنجع فيك من حلم الحليم

متى أحفظت ذا كرمِِتخطى ... إليك ببعض أفعال اللئيم

وذكر المبرد شعراً له وقدمهعلى نظرائه وهو قوله

وإذا ذكرت محاسن ابني صاعد=؟ أدت إليك مخائل ابني مخلد كالفرقدين إذا تأمل ناظرُ=لم يعل موضع فرقدٍ عن فرقد

[وقوله]

من شاكرُ عني الخليفة للذي ... أولاه من فضل ومن إحسان

حتى لقد أفضلت من إفضاله ... ورأيت نهج الجود حيث

أملأت يداه يدي وشرد جوده ... بخلي وأفقرني كما أغناني

[وله في الفتح بن خاقان وقد نزل إلى الأسد فقتله]

حملت عليه السيف لا عطفك انثنى ... ولا يدك ارتدت ولا حده نبا

فأحجم لماّ لم يجد فيك مطعماً ... وصمّم لما لم يجد عنك مهربا

[وقوله]

وما منع الفتح بن خاقان نيله ... ولكنّها الأيام تعطي وتحرم

سحاب خطاني جوده وهو مسبلُُ ... وبحرُ عداني فيضه وهو مفعمُ

وبدر ٌ أضاء الأرض شرقاًومغرباً ... وموضع رجلي منه أسود مظلم

ااشكو نداه بعد أن وسع الورى ... ومن ذا يذم الغيث إلا مذمم

[وله في انتقاض صلح بين عشيرته]

إذا ما الجرح رمّ على فسادٍ ... تبين فيه تفريط الطبيب

وللسهم الشديد أشد حباً ... إلى الرامي من السهم المصيب

[ومن جيد شعره]

ولما التقينا واللوى موعدُ لنا ... تبين رائي الدر حسناً ولاقطه

فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها ... ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه

<<  <   >  >>