للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قتل الملوك وسار تحت لوائه ... شجر العرى وعراعر الأقوام.

قال: وكتب عبد الملك كتاباً، وجعل في طيه جواباً لأبن الأشعث يقول فيه:

فما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظاً وينوي خمن سفاهته كسري.

أظن خطوب الدهر بيني وبينهم ... ستحملها مني على مركب وعر.

وإني وإياهم كمن نبه القطا ... ولو لم تنبه بات الطير لا تسري.

أناة وحلماً وانتظارا بهم غدا ... فما أنا بالواني ولا الضرع الغمر.

ثم بات يقلب كف الجارية ويقول: ما أفدت فائدة أحب إلي منك قالت: فما بالك يا أمير المؤمنين، وما يمنعك؟ قال: ما قاله عدو الله الأخطل. لأني إن جزت منه كنا ألأم العرب:

قوم إذا حاربوا شدوا مأزرهم ... عن النساء لو باتت بأطهار.

فما إليك سبيل. أو يحكم الله بيني وبين أبن الأشعث. فلم يقربها حتى قتل أبن الأشعث.

قال أبو العباس: لما قتل عبد الرحمن أبن الأشعث، وجهة الحجاج برأسه إلى عبد الملك بن مروان مع عرار بن شاس الأسدي، وكان أسود دميما، فلما ورد به عليه جعل عبد الملك لا يسأله عن شيء إلا أنبأه به عرار فأفصح لفظ وأشبع قول وأجزل اختصار فأشفته من الخبر، وعبد الملك لا يعرفه، وقد اقتحمته عينه حين رآه.

فقال عبد الملك متماثلاً:

أرادت عراراً بالهوان ومن يرد ... عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم.

وإن عراراً أن يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنكب العمم.

فقال عراراً: أتعرفني يا أمير المؤمنين قال: أنا والله عرار. فسر بذلك عبد الملك وأجزل جائزته.

[فصل في العفو عن الإخوان، والأعضاء عن هفواتهم.]

قال الحسن بن وهب: من حقوق ة المودة أخذ عفو الإخوان، الأعضاء عن تقصير أن كان، وقيل: خير الإخوان من إذا نسيت ذنبك لم يقرعك به، ومن معروفه عندك لم يمن به عليك.

وأشد الربيعي للشافعي رحمه الله:

أحب إلى الإخوان كل مواتي ... وكل غضيض الطرف عن هفواتي.

يوافقني في كل أمر أريده ... ويحفظني حياً وبعد مماتي.

فمن لي بهذا ليت أني وجدته ... فقاسمته مالي من الحسنات.

تصفحت إخواني فكان أقلهم ... على كثرة الإخوان أقل ثقاتي.

وحكى الأصمعي عن بعض الأعراب أنه قال: تناسى مساوئ الإخوان يدم لك ودمهم، وأوصى بعض الأدباء أخا له، فقال: كن للود حافظاً، لان لم تجد حافظاً، وللخل واصلاً إن لم تجد مواصلاً.

وقال رجل من أياد يخاطب يزيد بن المهلب:

إذا لم تجاوز عن أخ عند زلة ... فلست غداً عند زلتي متجاوزا.

وكيف يرجيك البعيد لنفعه ... إذا كان عن مولاك خير عاجزا.

ظلمت أخاً كلفته فوق وسعه ... وهل كانت الأخلاق إلا غرائز.

وحكي أن أبنة عبد الله بن مطيع كانت عند طلحة بن عبد الرحمن الزهري وكان أجود قريش في زمانه فقالت له ذات يوم: ما رأيت ألأم من أصحابك، قال: ولمه؟ قلت: أراهم إذ أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك، قال: هذا والله من كرمهم، يأتوننا في حال القوة بنا عليهم، ويتركوننا في حال الضعف بنا عنهم. فانظر كيف تأول بكرمه حتى جعل قبح فعلهم حسنا، وظاهر غدرهم وفاء، وهذا محض الكرام، ولباب الفضل، وبمثل هذا يلزم أهل الفضل أن يتأولوا الهفوات من إخوانهم وأنشد ثعلب:

إذا أنت لم تستقبل الأمر لم تجد ... بكفيك من أدباره متعلقا.

وإن أنت لم تترك أخاك وزلة ... إذا زلها أوشكتما أن تفرقا.

وقال الآخر:

إذا ما بدا من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالاً لزلته عذرا.

أحب الفتى ينهي الفواحش سمعه ... كأن به عن كل فاحشة وقرا.

سليم دواعي الصبر لا باسطاً أذى ... ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا.

ولأبن الرومي:

فاكثر من الإخوان ما استطعت إنهم ... بطون إذا استنجدتهم وظهور.

وليس كثير ألف خل وصاحب ... وإن عدواً واحداً لكثير.

وللشافعي:

لما عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من هم العداوات.

إني أحي عدوي عند رؤيته ... لأقطع الشر عني بالتحيات.

وأظهر البشر للإنسان فابغضه ... كأنه قد حشا قلبي مسرات.

وللتنوخي:

ألقى العدو بوجه لا قطوب به ... يكاد يقطر من ماء البشاشات.

<<  <   >  >>