للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتلثمت شمس النهار ببرقع ... من طرتيه والسما بمطرف

والأقحوان الغض يجلو مبسماً ... لولا مغزلة الحيا لم يشف

إلى أن قال:

في سدة للمك مد رواقها ... علياء فخر الدولة العدل الوفي

ملك حوى الدنيا بأس عابس ... وتبسم باد وتدبير خفي

فمحى قواصيها بعزم ثاقب ... ولوى نواصيها برأي محصف

ومن أحسن الاستعطاف ما رواه الرياشي عن الأصمعي قال: تصدى رجل من بني أمية للرشيد فانشده:

يا أمين الله إني قائل ... قول ذي علم وفهم وأدب

عبد شمس كان يتلو هاشماً ... وهما بعد لأم ولأَب

فاحفظ الأرحام فينا إنما ... عد شمس عم عبد المطلب

لكم الفضل علينا ولنا ... بكم الفضل على كل العب

فأحسن جائزته ووصله.

[نادرة عن الأصمعي]

ذكر السيد المرتضى في الدر قال: إن الأصمعي قال: نزلت ذات ليلة في واد لبني العنبر، وإذا فتية يريدون البصرة، فأحببت صحبهم، فأقمت ليلتي تلك فيهم. وإني لو صب محموم أخاف أن لا أستمسك على راحلتي، فلما قاموا ليرحلوا أيقظوني فلما رأوا حالتي رحلوا لي، وحملوني وركب أحدهم ورائي يمسكني، فلما أمعن السير تنادوا ألا فتى يحدو بنا وينشدنا، فإذا منشد في سواد الليل بصوت ند يتغنى بهذه الأبيات:

لعمرك إني يوم بانوا فلم أمت ... خفاتاً على آثارهم لصبور

غداة المنقا إذا رميت بنظرة ... ونحن على متن الطريق نسير

فقلت لقلبي حين خف به الهوى ... وكاد من الوجد المبر يطير

فهذا ولم تمض للبين ليلةٌ ... فكيف إذا مرت عليه شهور

وأصبح أعلام الأحبة دونها ... من الأرض غول نازح ومسير

وأصبحت نجدي الهوى متهم النوى ... أزيد اشتياقاً أن يحن بعير

عسى الله بعد النأي أن يسعف النوى ... ويجمع شمل بعدها وسرور

قال: فسكنت والله الحمى عني حتى ما أحس بها، فقلت لرديفي: انزل رحمك الله إلى راحلتك، فإني متماسك وجزاك الله عن الصحبة خيراً: وما الطف قول البحتري وأرشقه:

ولم انس إذ راحوا مطيعين للنوى ... وقد وقفت ذات الوشاحين والوقف

ثنت طرفها دون المشيب ومن يشب ... فكل الغواني عنه مثنية الطرف

وجن الهوى فيها عشية أعرضت ... بناظرتي ريم وسالفتي خشف

وأفلج براق يلوح رضا به ... حراماً على التقبيل بسلا على ارشف

[(ما قيل في وصف العشق في قول بعضهم، وذكر بعض من عشق مات)]

قال بعضهم: هو طمع يتولد في قلب العاشق، وكلما قوي زاد الحرص على طلبه، واللجاج في محبته حتى يؤديه ذلك إلى الغم المغلق، وينشأ من ذلك فساد الفكر، ومعه يكون زوال العقل، ورجاء ما لا يكون، وتمني ما لا يتم حتى يؤديه إلى الجنون، فربما قتل نفسه، وربما مات غماً، ورما رأى محبوبته فمات من الفرح. وأعلم أن الهوى والعشق والحب، وإن كان موردها واحداً، فقد فرق بينهما عمرو بن بحر الجاحظ، فقال: كل عشق يسمى حباً، وليس كل حب يسمى عشقاً، لأن العشق اسم لما فضل من الاقتصاد في الحب، كما أن السف اسم جاوز الجود، والبخل اسم لما قصر عن الاقتصاد، والهوى يتفرع عن الحب، والحب هو المتولد من أول نظرة، قال بعضهم في ذلك:

الحب أوله تهيم به ... نفس المحب فيلقى الموت كاللعب

يكون مبدؤه من نظرة عرضت ... وخطرة قدحت في القلب كاللهب

كالنار مبدؤها من قدحه فإذا ... تأججت أحرقت مستجمع الحطب

وقال الآخر:

الحب من سمعٍ ومن لحظةٍ ... وفيه إحلاء وإمرار

رأيت نار الحب بين الحشا ... تفعل مالا تفعل النار

إن لم تكلم في الهوى ألسن ... تكلمت باللحظ أبصار

والحب داء ماله حيلة ... وليس فيه للفتى عار

وقيل: إن الحب هو الميل الدائم بالقلب للحبيب، ومصاحبته على الدوام كما قيل:

ومن عجب أني أحن إليهم ... وأسأل شوقاً عنهم وهم معي

وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاق قلبي وهم بين أضلعي

وقول آخر:

خيالك في عيني وذكرك في فمي ... ومثواك في قلبي فأين تغيب

<<  <   >  >>