للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا صارف راياته عن محارب ... ولا ممسك معروفه عن مسالم

وللصارخ الملهوف أول ناصر ... ولللمترف الجبار أول قاصم

فلا عبقري كان أو هو كائن ... فرى فريه في المعضلات العظائم

كذلك ما قاد الكتائب مثله ... لإنصاف مظلوم ولا قمع ظالم

ولم يتجمع لامرئ كان قبله ... بناء المعالي واجتناب المآثم

جزته جوازي الخير عنا فانه ... سقانا بشؤبوب من العدل ساجم

فقد سار فينا سيرة لم يسر بها ... من الناس إلا مثل كعب وحاتم

متى نختلفني الأمر ألف بيننا ... طبيب بأدواء القلوب السقائم

فلا رأيه في حالة يتبع الهوى ... ولا سمعه مستوقف للنمائم

أفاء علينا ظل أنعمه التي زهين بأيام العلى والمكارم

وما غال جيش الشرك قبلك غائل ... ولا سيما بعد العطايا الجسائم

وبعد صلات ما رأى الناس مثلها ... ولا سمعوا في السالف المتقادم

أولئك قوم يعلم الله أنهم ... قد اقتسموا الدنيا اقتسام المغانم

فكم ألف ألف قد غدوا يطؤونها ... بأقدامهم وطء الحصى بالمناسم

ولو كنت ممن يستريب عيانه ... ويدركه فيما رآى وهم واهم

لحدثت نفسي أنني كنت حالماً ... وإن لم أكن فيما رأيت بحالم

فلا يسألني من تخلف عنهم ... فيقرع في آرائه سن نادم

لعمري هم الأنصار حقاً فكلهم ... من المجد في بيت رفيع الدعائم

فقد أظهروا من شكر نعمة ربهم ... وقائدهم ما لست عنه بنائم

وإني قد حملت منهم ودائعاً ... كرائم تهدى من نفوس كرائم

إليك أمير المؤمنين حملتها ... ودائع كالأموال تحت الخواتم

شهدت بما أبصرته وعلمته ... شهادة بر لا شهادة آثم

فقمت بها عن ألسن القوم خطبة ... إذا ذكرت لم تخزهم في المواسم

تم الأختيار من شعر ابن هاني الأندلسي ويليه الأختيار من شعر الصفي الحلي.

[شعر]

الصفي الحلى قال جامع كتاته: هو تاج الأدباء والفضلاء عمدة الشعراء والفصحاء صفي الدين أبو المحاسن عبد العزيز بن سرايا بن أبي القاسم الحلي التنيسي.

فمن قوله في الفخر والحماسة:

لئن ثلمت حدي صروف النوائب ... فقد أخلصت سبكي بنار التجارب

وفي الأدب الباقي الذي وهبني ... عزاء من الأموال عن كل ذاهب

فكم غاية أدركتها غير جاهد ... وكم رتبة قد نلتها غير طالب

وما كل وان في الطلاب بمخطئ ... ولا كل ماض في الأمور بصائب

سمت بي إلى العلياء نفس أبيه ... ترى أقبح الأشياء أخذ المواهب

بعزم يريني ما أمام مطالبي ... وحزم يريني ما وراء العواقب

وما عابني جاري سوى أحاجتي ... اكفلها من دونه للأجانب

وإن نوالي في الملمات واصل ... اباعد أهل الحي قبل الأقارب

وليس حسود ينشر الفضل عائباً ... ولكنه مغرى بعد المناقب

وما الجود إلا حلية مستجادة ... إذا ظهرت أخفت وجوه المعائب

لقد هذبتني يقظة الرأي والنهي ... إذا هذبت غيري صروف التجارب

واكسبني قومي وأعيان معشري ... حفاظ المعالي وابتذال الرغائب

سراة يقر الحاسدون بفضلهم ... كرام السجايا والعىى والمناصب

إذا جلسوا كانوا صدور مجالس ... وإن ركبوا كانوا صدور مواكب

أسود تعانت بالقنا عن عرينها ... وبالبيض عن أنيابها والمخالب

يجودون للمراجي بكل نفيسة ... لديهم سوى أعراضهم والمناقب

إذا نزلوا بطن الوهاد لغامض ... من القصد اذكوا نارهم بالمناكب

وإن ركزوا غب الطعان رماحهم ... رأيت رؤوس الأسد فوق الثعالب

فأصبحت أفني ما ملكت لأقتني ... به الشكر كسباً هو أسنى المكاسب

وأراهن قولي عن فعالي كأنه ... عصا الحارث الدعمي أو قوس حاجب

ومن يك مثلي كامل النفس يغتدي ... قليلاً معاديه كثير المصاحب

فما للعدى دبت أراقم كيدهم ... إلي وما دبت إليهم عقاربي

وإني ليدمي قائم السيف راحتي ... إذا دميت منهم خدود الكواعب

وما كل من هز الحسام بضارب ... ولا كل من أجرى اليراع بكاتب

<<  <   >  >>