للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧- إضاءة: وقد يكون الشيء المطلوب أو المهروب منه أحد شيئين فيتشكل على القائل أو السامع فيما يجب أن يطلب وأيهما يجب أن يهرب منه، أو يشتكل الطريق الهادي إلى ذلك فيشير القائل على غيره بالواجب طلبه من ذلك أو يستشير غيره فيكون الكلام على هذا إشارة أو استشارة. وقد يستشير أيضاً في الفضل بين المنازعين فينقسم القول على هذا إلى قصص ومشاجرة وحكم وإشارة واستشارة وغرض واقتضاء وكفاية واستكفاء وترغيب وترهيب وإطماع وإياس. وفي كل نحو من هذه المقاصد يطلب ما يجلب سرورا أو حمدا أو يهرب مما يجتلب حزنا أو ذما.

فقد تبين أن أمها الطرق الشعرية أربع، وهي التهاني وما معها والتعازي وما معها، والمدائح وما معها، والهاجي وما معها، وأن كل ذلك راجع إلى ما الباعث عليه الارتياح، وإلى ما الباعث عليه الاكتراث وإلى ما الباعث عليه الارتياح والاكتراث معا.

ب- معرف دال على طرق المعرفة بما يوجد لبعض الخواطر من قوة على التشبه فيما لا يجري على السجية - من تلك الأغراض - بما يجري على السجية من ذلك.

١- إضاءة: اعلم أن خير الشعر ما صدر عن فكر ولع بالفن والغرض الذي القول فيه، مرتاح للجهة والمنحى الذي وجه إليه كلامه لإقباله بكليته على ما يقوله وتوفير نشاط الخاطر وحدته بالانصباب معه في شعبه والميل معه حيث مال به هواه. ولهذا كان أفضل النسيب ما صدر عن سجية نفس شجية وقريحة قريحة. وكذلك الإخوانيات والمراثي وما جرى هذا المجرى.

٢- تنوير: وقد تواجد لبعض النفوس قوة تتشبه بها في ما جرت فيه من نسيب وغير ذلك على غير السجية بما جرى فيه على السجية من ذلك، فلا تكاد تفرق بينهما النفوس ولا يماز المطبوع فيها من المتطبع، فإذا انفق مع هذا حسن النظم تناصر الحسن في النظام والمنحى واعتم فلم يكن فيه مقدح.

٣- إضاءة: واعلم أن المنحى الشعري نسيبا كان أو مدحا أو غير ذلك فإن نسبة الكلام المقول فيه إليه نسبة القلادة إلى الجيد، لأن الألفاظ والمعاني كاللآلي، والوزن كالسلك، والمنحى الذي هو مناط الكلام وبه اعتلاقه كالجيد له. فكما أن الحلي يزداد حسنه في الجيد الحسن، فكذلك النظم إنما يظهر حسنه في المنحى الحسن. فلذلك وجب أن يكون من له قوة التشبه المذكورة أكمل في هذه الصناعة ممن ليست له تلك القوة.

٤- تنوير: وكل من قويت فيه هذه القوة فلا يبعد عليه أن يلتفت إلى بعض مناحي شكاة الهوى في أشعارهم الجارين على سجاياهم مما لطف أسلوبه وظرف منزعه، وإن وقع ما كان بهذا الوصف تفاريق في تلك الأشعار، فيحضر ما كان بهذا الوصف في خاطره، ويسلط الفكر والتصور على استبانة الطرق التي من أجلها حسن الكلام في منحاه وأسلوبه ومنزعه. فإذا استبان تلك الطرق على ما بها من الخفاء على كثير من الأفكار استظهر بالقوة التشبيه على انتهاج مثل تلك الطرق في كلامه، ونصب ما قام بخاطره من تصورها تمثالا يصوغ كلامه بحسبه ومنوالا ينسج نظامه عليه، جاء كأنه هو.

٥- إضاءة: وربما اقتفى من له هذه القوة في منحى كلامه وأسلوبه ومنزعه آثار شعراء لم يتوطأ في مجموع ذلك، لكن حسن منحى كلام هذا ولطف أسلوب كلام ذلك ومنزع كلام الآخر، فأخذ هو من كل واحد منهم ما اختص به وبنى على مجموع ذلك كلامه، وما أجدر أبا الحسن مهيارا الديلمي بان تكون هذه صفته.

٦- تنوير: وهذه القوة تتفاوت فيا لشعراء. فمنهم من له قوة على التشبه في جميع كلامه أو أكثره، ومنهم من لا ينسحب تأثير تلك القوة على جميع كلامه ولا أكثره بل يكون ذلك في بعضه على سبيل الإلماع والندور أو فوق ذلك قليلا.

٧- إضاءة: فأما من ينسحب تأثير تلك القوة على جميع كلامه أو أكثره فهم الذين لا تحتاج فيهم تلك القوة إلى معاونة من أمر خارج عن الذهن من الأمور الباعثة على قول الشعر، لتوفير تلك القوة فيهم على كل حال. ومن أيمة هذا الصنف: الشريف ومهيار وابن خفاجة.

وأما من لا ينسحب تأثير تلك القوة التشبيهية إلا على الأقل من كلامه فهم الذين تحتاج تلك القوة فيهم إلى معاونة بالأمور الباعثة على قول الشعر. فقد توجد تلك البواعث وقد لا توجد، وقد تتوفر في وقت وقد تقل في وقت.

<<  <   >  >>