للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨- تنوير: واعلم أن هذه القوة لا تدرك بحرص ولا تنال بجهد بل قد يمنعها الحريص ويمنحها غير الحريص. واعتبر ذلك بجرير والفرزدق - فإن جريرا على عفته، نسيبه في غاية الرقة وحسن الأسلوب، والفرزدق على عهره وشدة ولوعه بالنساء، نسيبه في نهاية الجفاء وقبح الأسلوب، مع حرصه على أن يرقه ويحسن أسلوب - وحسده لجرير حيث أنشد له فصولا من نسيب منها: (الوافر -ق- المترادف)

متى كان الخيام بذي طلوح ... سقيت الغيث أيتها الخيام

فقال: (قاتله الله، ما كان أحوجني مع فسقي إلى رقة شعره وما كان أحوجه مع عفته إلى خشونة شعري) . وكان الفرزدق قد أجل عاما في أن يصنع بيتا رقيقا في النسيب، فقال بعد حول: (البسيط -ق- المتدارك)

يا أخت ناجية بن مرة إنني ... أخشى عليك بني إن طلبوا دمي

فغلبه بعد هذه المطاولة طبعه واعتاص عليه ما ليس في قوته.

٩- إضاءة: وقد تحصل بحفظ الكثير مما حسن منحاه وأسلوبه ومنزعه، وروي الذكر من ذلك، وتعليل النفس به أبدا، ومطارحتها القول على نحو من ذلك، والترامي بالخاطر أبدا إلى الجهات من المعارضة لذلك، دربة يوصل بها أيضاً إلى التشبه، ولاسيما إذا تفهم ما قلته في الوجوه التي بها تحسين الأساليب والمنازع. فكانت تلك الوجوه متحصلة في ذهنه. فهذه بعض منافع القول في الأساليب والمنازع. لكن من لم يتوصل إلى التشبه إلا بالدربة من غير أن تكون له القوة التي ذكرت فربما وقع له ما يعده ذو القوة البصير بطرق النقد متكلفا أو فاترا، وإن خفي ذلك على أكثر الناس.

[ج- معلم دال على طرق العلم بما ينقسم إليه الشعر بحسب اختلافات أنحاء التخاطب.]

لما كان الكلام أولى الِياء بان يجعل دليلا على المعاني التي احتاج الناس إلى تفاهمها بحسب احتياجهم إلى معاونة بعضهم بعضا على تحصيل المنافع وإزاحة المضار وإلى استفادتهم حقائق الأمور وإفادتها وجب أن يكون المتكلم يبتغي إما إفادة المخاطب، أو الاستفادة منه. إما بأن يلقي إليه لفظا يدل المخاطب إما على تأدية شيء من المتكلم إليه بالفعل أو تأدية معرفة بجميع أحواله أو بعضها بالقول، وإما بان يلقي إليه لفظا يدله على اقتضاء شيء منه إلى المتكلم بالفعل أو اقتضاء معرفة بجميع أحواله أو بعضها بالقول؛ وكان الشيء المؤدى بالقول لا يخلو من أن يكون بينا فيقتصر به على الاقتصاص أو يكون مشتكلا فيؤدى على جهات من التفصيل والبيان والاستدلال عليه والاحتجاج له.

فكلام المتكلم فيما يؤديه قسمان: قسم يقع فيه الاستدلال وقسم الاستدلال فيه.

وكلامه فيما يقتضيه من المخاطب قسم واحد في أكثر الأمر، لأن الإجابة بالاستدلال أو عدمها في ذلك للمخاطب. وليس ذلك من كلام المتكلم إلا أن يحكي ما دار بينه وبين مخاطبه، فيكون ذلك كالتركيب من القسمين، وليس به على الحقيقة لكون ذلك ليس من كلام واحد.

١- إضاءة: ولا يخلو فيما حكاه من ذلك أن يكون مسلما أو محاجا. فإن كان مسلما فهو الذي أشرنا إليه، وإن كان محاجا كان ذلك من باب المشاجرة. وهو متركب من تأدية المخاطب نقيض ما أداه المتكلم، والمتكلم نقيض ما أداه المخاطب، كما أن باب الإشارة أيضاً مركب من تأدية واقتضاء، لأن المتكلم يؤدي إلى المخاطب رأيه ويقتضي قبوله.

٢- تنوير: وجملة ما ينقسم إليه الكلام من جهة ما يقع فيه من تأدية واقتضاء باعتبار البساطة فيهما والتركيب ستة أقسام: ١- تأدية خاصة ٢- أو اقتضاء خاصة.

٣- أو تأدية واقتضاء معا.

٤- وتأديتان من المتكلم والمخاطب.

٥- أو اقتضاءان منهما: فكان هذا يكون على جهة من الحيدة بأن يقتضي المتكلم من المخاطب شيئا فيقتضي المخاطب من المتكلم شيئا آخر قل أن يؤدي إلى المتكلم ما اقتضاه.

٦- أو يكون مركبا من اقتضاء المتكلم تتبعه تأدية من المخاطب على جهة السؤال والجواب.

فإذا حكى المتكلم كلام المخاطب مع كلامه، أو حكى كلامهما معا غيرهما، وجد الكلام ينقسم على هذا الاعتبار بحسب البساطة والتركيب ستة أقسام.

د- معرف دال على طرق المعرفة بما ينقسم إليه الشعر بحسب إيقاع الحيل الشعرية فيه.

<<  <   >  >>