للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨- تنوير: فأما طرق الاعتذار والمعاتبات والاستعطافات وما جرى مجراها فملاك الأمر فيها التلطف والإثلاج إلى كل معتذر إليه أو معاتب أو مستعطف من الطريق الذي يعلم من سجيته أو يقدر تأثره لذلك.

٩- إضاءة: وطريق الهجاء أيضاً يقصد فيه ما يعلم أو يقدر أن المهجو يجزع من ذكره ويتألم من سمعه مما له به علقة.

١٠- تنوير: فأما طرق التهاني فيجب أن تعتمد فيها المعاني السارة ولأوصاف المستطابة، وأن يستكثر فيها من التيمن للمهنإ، وأن يؤتى في ذلك بما يقع وفقه، ويتحذر من الإلمام بما يمكن أن يقع منه في نفس المهنى شيء، ويجتنب ذكر ما في سمعه تنغص له. ويحسن في التهاني أن تستفتح بقول يدل على غرض التهنئة، فإن موقع ذلك حسن من النفوس.

فهذه إشارة إلى بعض ما يجب في الطرق العشرية اكتفينا بها عن بسط الكلام في ذلك، إذ لا يخفى على من له أدنى نظر في هذه الصناعة أن ذلك محوج إلى إطالة كثيرة، وكل ما أدى إلى ذلك فإنما أشرنا إليه بقوانين كلية، يعرف بها أحوال الجزئيات من كانت له معرفة بكيفية الانتقالات من الحكم في بعض الأشياء إلى الحكم به في بعض، إذا كان المنتقل إليه مما يشتمل عليه المنتقل منه، أو كانا مشتركين في علة الحكم، أو كانا متماثلين أو متناسبين أو متشابهين. فإنه يحكم للشيء بمثل حكم مماثله، وبمناسب حكم مناسبه، وبمشابه حكم مشابهه، وكذلك بمضاد حكم مضاده. فعلى هذه الأنحاء يجب أن تكون نقلة الناظر في هذه الصناعة مما ذكرناه إلى ما لم نذكره، وبالله التوفيق.

المنهج الثالث في الإبانة عن الأساليب الشعرية وأنحاء الاعتمادات فيها، وما يجب أن تعتبر به أحوالها في جميع ذلك من حيث تكون ملائمة للنفوس أو منافرة لها.

[أ- معلم دال على طرق العلم بالأساليب الشعرية وما تنوع إليه، وينحى بها نحوه.]

إن أساليب الشعر تتنوع بحسب مسالك الشعراء في كل طريقة من طرق الشعر، وبحسب تصعيد النفوس فيها إلى حزونة الخشونة أو تصويبها إلى سهولة الرقة أو سلوكها مذهبا وسطا، بين ما لان وما خشن من ذلك. فإن الكلام منه ما يكون موافقا لأغراض النفوس الضعيفة الكثيرة الإشفاق مما ينوبها أو ينوب غيرها، ومنه ما يكون موافقا للنفوس المقبلة على ما يبسط أنسها المعرضة عما به كلا الفريقين.

١- إضاءة: فللكلام بحسب هذه الأنحاء المتركبة في الأسلوب ثلاثة أساليب ينحى بالكلام فيها بحسب البساطة والتركيب عشرة أنحاء يختلف الناس فيما تميل بهم أهواؤهم إليه من ذلك بحسب اختلاف طباعهم وتلك الأنحاء هي: ١- أن يكون أسلوب الكلام مبنيا على الرقة المحضة، ٢- أو على الخشونة المحضة، ٣- أو على المتوسط بينهما، ٤- أو يكون الكلام مبنيا على الرقة ويشوبه بعض ما هو راجع إلى الأسلوب الوسط، ٥- أو يكون مبنيا على الوسط ويشوبه بعض ما هو راجع إلى الرقة، ٦- أو بعض ما هو راجع إلى الخشونة، ٧- أو يكون مبنيا على الخشونة ويشوبه بعض ما يرجع إلى الأسلوب الوسط، ٨- أو يكون مبنيا على الرقة ويشوبه بعض الخشونة، ٩- أو على الخشونة ويشوبه بعض رقة، ١٠- أو يكون مبنيا على الأسلوب المتوسط ويشوبه بعض ما هو راجع إلى الطرفين.

٢- تنوير: فأما الأنحاء الثلاثة الأخيرة وهي التي وقع في جميعها الجمع بين طرفين بان تسلط الطرفان أعني الخشونة والرقة على شيء واحد، وكان انبعاثهما من ضمير واحد، فإن هذا يقبح مثل إرداف الرقة في الحب بالخشونة فيه، فإن انصرف أحدهما إلى غير ما انصرف إليه الآخر، وتعلق بغير ما تعلق به ساغ ذلك، مثل ما نجمع بين التغزل والحماسة في شعر واحد. وذلك يكون على ثلاثة أنحاء: ١- مقابلة معنى البيت أو شطر بيت غزلي بمعنى بيت أو شطر بيت حماسي.

٢- والنحو الثاني على جهة الالتفات، وذلك أن يكون مثلا يتغزل ويصف نفسه بالإفراط في الرقة والصبابة، فيتوقع أن يظن ظان أن ذلك لضعف نفس منه، فيلتفت إلى ما يدرأ عنه ذلك الظن ويشير إلى ما يدل على ذلك بلفظ مختصر يلحقه في تضاعيف كلامه أو عقبه، وذلك مثل قول الشريف: (الرجز -ق- المتدارك)

مالوا على شعب الرحال وأسندوا ... أيدي الطعان إلى قلوب تخفق

فأشار إلى الشجاعة أثناء الوصف بالرقة بأوجز لفظ وهو قوله: (أيدي الطعان)

<<  <   >  >>