للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنه يوجد في كثير من كلام العرب.

وأكثر ما يقع أيضاً في كلام العرب أن يوصف المصدر بالصفة المشتقة لفاعله، وذلك على جهة الاتساع والتجوز كقولهم شعر شاعر. وقد تصف العرب المصدر بصفة نقيضه أو بصفة فاعل نقيضه نحو قول: (الطويل -ق- المتدارك)

ألا يا لقوي للرقاد المسهد

فيكون هذا على أنحاء من التأويل: إما أن يريد للرقاد المصير سهادا، وإما أن يريد للرقاد وقطع به اتصاله، وإما أن يريد للرقاد الذي شرد وسهد صاحبه فيكون في الكلام حذف مضاف.

وهذا التأويل سائغ في ما قبله.

٧- إضافة: ويجب أن يستعمل من هذه المجازات وأن يذهب من هذه المذاهب في بعيدا من الفهم ولا قلقا في التصور.

ولم يكن من شأن العرب أن تستعمل ذلك، لأن المعنى إذا تصور وكان صحيحا ساغ أن يستعمل في الكلام المصوغ على قوانين العرب، وإن لم يكن لذلك المعنى نظير في كلامهم.

وإنما يجب أن يلتزم في الكلام الجاري على قانون كلام العرب أن تكون مجاري أواخر الكلم وتصاريفها وإسناداتها على حد ما وقعت عليه في كلام العرب بحسب موضع موضع، وأن يوقع كل منها على ما أوقعته العرب، وأن يكون متصلا بما وصلته العرب، إن كان مما شأنه أن يوصل بغيره.

فيتحرز من مثل ما يقع لكثير من أهل هذا الزمان من استعمالهم الباء في مثل قولهم: استبدل كذا بكذا أو أبدل كذا بكذا في غير موضعها، فإن الناس يدخلون الباء على الشيء الذي هو بدل من الآخر، والعرب ليس تدخل الباء في مثل هذا إلا على المبدل منه لا على البدل نحو قوله: (المتقارب -ق- المترادف)

تبدل بالأنس صوت الصدا ... وسجع الحمامة تدعو هديلا

وعلى مثل هذا استعمله فحول المحدثين كقول أبي تمام: (الكامل -ق- المترادف)

فاسلم أمير المؤمنين لأمة ... أبدلتها الإمراع بالإمحال

ومن تتبع مثل هذا الاستعمال مما انحرف الناس فيه عن الاستعمال العري وجده، فليتحزر من ذلك.

ب- معرف دال على طرق المعرفة بالمآخذ اللطيفة في المنازع التي ربما خفي الوجه الذي لأجله حسن الكلام بها

حسن المآخذ، في المنازع التي ينزع بالمعاني والأساليب نحوها، يكون بلطف المذهب في الاستمرار على الأساليب والاطراد في المعاني والإثلاج إلى الكلام من مدخل لطيف. فيوجد للكلام بذلك طلاوة وحسن موقع من النفس لا توجد مع وضعه على خلاف تلك الهيأة والإثلاج إليه من غير ذلك المدخل. وهذا النوع من الكلام لا يكاد يميزه إلا الناقد البصير الجيد الطبع.

ولك أن تعتبر حسن المأخذ في المعاني والعبارات عنها بقول أبي تمام: (البسيط -ق- المتراكب)

يا بعد غاية دمع العين إن بعدوا

فلو أخلى المعنى من التعجب واقتصر على إيجاب بعد غاية الدمع لبعدهم لم يكن له من حسن الموقع ما له في هذه العبارة التي أورده فيها. وكذلك أيضاً لو عبر عن معنى التعجب بغير هذه العبارة فقال: (ما أبعد غاية دمع العين إن بعدوا) لم يكن له من حسن الموقع ما له في هذه العبارة التي أورده فيها باقتران التعجب بالمعنى في صورة النداء حسن منزع في الكلام ولطف مأخذ فيه.

١- إضاءة: وقد يرد من حسن المأخذ ما لا يقدر أن يعبر عن الوجه الذي من اجله ولا يعرف كنهه، غير أنه يعرف مأخذ حسن في العبارة من حيث إنك إذا حاولت تغيير العبارة عن وضعها والإثلاج إليها من غير المهيع الذي منه أثلج واضعها وجدت حسن الكلام زائلا بزوال ذلك الوضع والدخول إليه من غير ذلك المدخل، واعتبر ذلك بقول أبي سعيد المخزومي: (البسيط -ق- المتراكب)

ذنبي إلى الخيل كري في جوانبها ... إذا مشى الليث فيها مشي مختتل

فإنك لو غيرت صيغة هذا البيت وأزلتها عن موضعها، فقلت مثلا: (كم أذنبت إلي الخيل بكري في جوانبها) أو غيرته غير هذا التغيير لم نجد له من حسن الموقع من النفس، ما له في صيغته ووضعه الذي وضعه عليه المخزومي.

٢- تنوير: وقد جارانا الكلام في هذا الباب الفقيه العلامة أبو الحسن سهل بن مالك، وكان إماما في هذه الصناعة، وهناك الكاتب الأبرع أبو المطرف ابن عميرة نسيج وحده في البلاغة.

<<  <   >  >>