للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٥- إضاءة: وقد تقدم الكلام في ما تكون عليه الألفاظ في أنفسها وبالنظر إلى هيآتها ودلالتها وكيفية مواقع تلك الهيآت بدلالتها من النفوس. وبقي الآن أن نتكلم في المعاني الذهبية وفي بعض ما يحتاج إليه في هذه الصناعة مما يتعلق بالأشياء التي تلك المعاني الذهبية صور لها مما تكون عليه تلك الأشياء وما تكون عليه صورها, ومن جهة مواقعها من النفوس, وكونها مما يستميل النفس أو ينفرها لكونها ملائمة لها أو منافرة, أو بإيهام النفس ذلك فيها بتخييل شعري أو إقناع خطابي وما يكون فيه معونة على تقوية ذلك.

١٦- تنوير: وأنا أدرج تفاصيل هذه الجملة في ما أشرعه إثر هذا من المعالم والمعارف بحسب ما يتوجه إليه النظر في معلم معلم ومعرف معرف من ذلك, لتعرف بذلك الطرق الصحيحة في اعتبار ما تكون عليه أحوال المعاني الذهنية وما هي أمثلة له بالنظر إلى ما يستحسن في كل مذهب من مذاهب هذه الصناعة وما لا يستحسن من ذلك. وقد سلكت من التكلم في جميع ذلك مسلكا لم يسلكه أحد قبلي من أرباب هذه الصناعة لصعوبة مرامه وتوعر سبيل التوصل إليه. هذا على أنه روح الصنعة وعمدة البلاغة. وعلى هذا جريت في أكثر ما تكلمت به فيما عدا هذا القسم من أقسام الكتاب. فإني رأيت الناس لم يتكلموا إلا في بعض ظواهر ما اشتملت عليه تلك الصناعة, (فتجاوزت أنا تلك الظواهر) بعد التكلم في جمل مقنعة مما تعلق بها التكلم في كثير من خفايا هذه الصنعة ودقائقها على حسب ما تقدم وما يأتي إن شاء الله.

[ب?- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء وجود المعاني.]

إن المعاني هي الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان. فكل شيء له وجود خارج الذهن فإنه إذا أدرك حصلت له صورة في الذهن تطابق لما أدرك منه, فإذا عبر عن تلك الصورة الذهنية الحاصلة عن الإدراك أقام اللفظ المعبر به هيئة تلك الصورة الذهنية في أفهام السامعين وأذهانهم. فصار للمعنى وجود آخر من جهة دلالة الألفاظ. فإذا احتيج إلى وضع رسوم من الخط تدل على الألفاظ من لم يتهيأ له سمعها من المتلفظ بها صارت رسوم الخط تقيم في الأفهام هيآت الألفاظ فتقوم بها في الأذهان صور المعاني فيكون لها أيضاً وجود من جهة دلالة الخط على الألفاظ الدالة عليها.

١- إضاءة: قد تبين أن المعاني لها حقائق موجودة في الأعيان ولها صور موجودة في الأذهان ولها من جهة ما يدل على تلك الصور من الألفاظ وجود في الأفهام, ولها وجود ما يدل على تلك الألفاظ من الخط يقيم صور الألفاظ وصور ما دلت عليه في الأفهام والأذهان.

٢- تنوير: وقد تقدم الكلام في كثير مما يجب معرفته من المعاني من حيث توجد في الألفاظ. وبقي أن نتكلم الآن فيها من حيث توجد في الأذهان, وأن نشفع ذلك بذكر بعض ما يتعلق بها من جهة وجودها خارج الذهن مما يتأكد معرفته في هذه الصناعة, وأن نستدرك ما لعلنا لم نذكره مما يتعلق بجهة وجودها في الألفاظ. فأما الوجود الذي لها من جهة الخط فليس التكلم فيه من مبادئ هذه الصناعة.

ج_ معلم دال على طرق العلم بكيفيات مواقع المعاني من النفوس من جهة ما تكون قوية الانتساب إلى طرق الشعر المألوفة والأغراض المعروفة عند جمهور من له فهم بالطبع, أو ضعيفة الانتساب إلى ذلك.

لما كان علم البلاغة مشتملا على صناعتي الشعر والخطابة وكان الشعر والخطابة يشتركان في مادة المعاني ويفترقان بصورتي التخييل والإقناع وكان لكلتيهما أن تخيل وأن تقنع في شيء شيء من الموجودات الممكن أن يحيط بها علم إنساني وكان القصد في التخييل والإقناع حمل النفوس على فعل شيء أو اعتقاده أو التخلي عن فعله واعتقاده وكانت النفس إنما تتحرك لفعل شيء أو اعتقاده أو التخلي عن واحد واحد من الفعل والطلب والاعتقاد بأن يخيل لها أو يوقع في غالب ظنها أنه خير أو شر بطريق من الطرق التي يقال بها في الأشياء إنها خيرات أو شرور

<<  <   >  >>