للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥- إضاءة: فالعروض الطويل تجد فيه أبدا بهاء وقوة. وتجد للبسيط سباطة وطلاوة. وتجد للكامل جزالة وحسن اطراد، وللخفيف جزالة ورشاقة، وللمتقارب سباطة وسهولة، وللمديد رقة ولينا مع رشاقة، وللرمل لينا وسهولة. ولما في المديد والرمل من اللين كان أليق بالرثاء وما جرى مجراه منهما بغير ذلك من أغراض الشعر. وقد أشرنا إلى حال ما بقي من الأوزان.

٦- تنوير: ومما يبين لك أن لكل وزن منها طبعا، يصير نمط الكلام مائلا إليه، أن الشاعر القوي المتين الكلام إذا صنع شعرا على الوافر اعتدل كلامه وزال عنه ما يوجد فيه مع غيره من الأعاريض القوية من قوة العارضة وصلابة النبع. واعتبر ذلك بأبي العلاء فإنه إذا سلك الطويل توعر في كثير من نظمه حتى يتبغض، وإذا سلك الوافر اعتدل كلامه وزال عنه التوعر. وما شئت أن تجد شاعرا إذا قال في المديد والرمل ضعف كلامه وانحط عن طبقته في الوافر كانحطاطها في الوافر عن الطويل إلا وجدت. فهذا يدلك على صحة ما ذكرته. فأما الضعفاء فكلامهم في الوافر وما أشبهه من الأعاريض المتوسطة أقل قبحا. فأما الأعاريض الطويلة التي تفضل عن المعاني فيعبرون فيها بركاكة الحشو وقبح التذليل وتخاذل بعض أجزاء الكلام عن بعض لطوله. وأما الأعاريض القصيرة التي تفضل المعاني عنها فيضطرون فيها إلى التكلف والحذف المخل، فلذلك كان حالهم في نظم الشعر مضادا لحال الأقوياء من الشعراء.

٧- إضاءة: فيجب لما ذكرته أن يعتبرا لكلام الواقع في كل عروض بحسب ما أعتيد فيه أن يكون نمط الكلام عليه، وألا يفضل شاعر وجدت له قصيدة في الطويل والكامل مائلة إلى القوة على شاعر وجدت له قصيدة في المديد أو الرمل مائلة إلى الضعف. فقد يجيء شعر الشاعر الأضعف في الأعاريض التي من شأنها أن يقوى فيها النظم مساويا لشعر الشاعر الأقوى في الأعاريض التي من شأنها أن يضعف فيه النظم، ليس ذلك إلا لشيء يرجع إلى الأعاريض لا إلى الشاعرين. وإنما يطرأ هذا إذا لم يكن بين الناظمين كبير تفاوت. وكذلك الشاعران المتساويان إذا قال أحدهما في وزن من شأن الكلام أن يقوى فيه والآخر في وزن من شأن الكلام أن يضعف فيه ظهر شعر أحدهما أقوى من شعر الآخر من جهة أن عروضه أقوى لا من جهة أن طبقته ارتفعت فوق طبقة صاحبه.

٨- تنوير: وإنما يحكم بتفضيل أحد الشاعرين على الآخر إذا عرف أن كليهما نظم شعره على حال واحدة من النشاط وقوة الباعث وانفساح الوقت. وكانا قد سلكا مسلكا واحدا وذهبا من المقاصد مذهبا مفردا أو كان مذهب أحدهما مقاربا لمذهب الآخر ومناسبا له، وكان شعرهما في عروض واحد أو عروضين غير بعيد نمط الكلام في أحدهما عن نمطه في الآخر؛ ثم يقاس ما بين الكلامين من البعد بما بين النمطين، فيظهر الترجيح أو المساواة عند ذلك. وللمفاضلة بين الشعراء أحكام كثيرة وشروط تأتي في القسم الرابع من هذا الكتاب إن شاء الله.

هـ- معلم دال على طرق العم بما قصد في أبنية القول من أنحاء التناسب وذهب فيها من مذاهب البلاغة التي يكون لها بها تحصين في الوضع وتحسين في السمع.

فأما ما يجب اعتماده في وضع القوافي وتأصيلها فإن النظر في ذلك من أربع جهات: الجهة الأولى جهة التمكين؛ والثانية جهة صحة الوضع؛ والثالثة جهة كونها تامة أو غير تامة؛ والرابعة جهة اعتناء النفس بما وقع في النهاية لكونها مظنة اشتهار الإحسان أو الإساءة.

ولكون القافية يجب أن يتحفظ فيها من هذه الجهات الأربع قال بعض العرب لبنيه: (اطلبوا الرماح فإنها قرون الخيل وأجيدوا القوافي فإنها حوافر الشعر أي عليها جريانه واطراده، وهي مواقفه. فإن صحت استقامت جريته وحسنت مواقفه ونهاياته) .

١- إضاءة: فأما من جهة تمكن القافية فقد ألمعت بالوجوه الموصلة إلى ذلك في ما تقدم.

٢- تنوير: وأما من جهة صحة الوضع في القافية فالنظر فيها مستند إلى المعرفة بعلم القوافي. وأنا أشير إلى ما يرشد إلى ذلك مجملا بعون الله. فأقول: إن القوافي لابد فيها من التزام شيء أو أشياء. وتلك الأشياء حروف وحركات وسكون. فقوافي الشعر يجب فيها ضرورة على كل حال إجراء المقطع وهو حرف الروي على الحركة أو السكون.

<<  <   >  >>