للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحذور فإن الأمور إذا جاءت خلاف الهوى بعد التأني فيها كان المرء فيها بحسن العذر خليقا وبالصبر عليها حقيقا وأني سائلة عنه حتى أعرف دخيلة خبره ويصح لي بالذي أريد علمه من أمره وأن كنت أعلم أن الاختيار لأحد فيما هو كائن ومعلمتكما بالذي يرينيه الله في أمره ولا قوة إلا بالله قالا وفقك الله وخار لك ثم انصرفا عنها فلما أعلماه بقولها أنشأ يقول فإن يك صدر هذا اليوم ولي فإن غدا لناظره قريب وتحدث الناس بالذي جرى من طلاق عبد الله بن سلام امرأته وخطبته ابنة معاوية وقالوا لم يطلق حتى فرغ من طلبه له الذي كان من بغيته واستحدث عبد الله أبا هريرة وأبا الدرداء فأتياها فقالا لها اصنعي ما أنت صانعته واستخيري الله فإنه يهدي من استهداه قالت أرجو والحمد لله أن يكون الله قد خار فإنه لا يكل إلى غيره من توكل عليه وقد اختبرت أمره وسألت عنه فوجدته غير ملائم ولا موافق لما أريد لنفسي مع اختلاف من استشرته فيه فمنهم الناهي عنه والآمر به واختلافهم أول ما كرهت فلما أبلغاه كلامها علم أنه مخدوع فإن المرء وأن كمل له حلمه واجتمع له عقله واستبد رأيه ليس يدافع عن نفسه قدراً برأي ولا كيد ولعل متا أسروا به واستحلوا به لا يدوم لهم سروره ولا يصرف عنهم محذوره قال وذاع أمره وفشا في الناس وقالوا خدعه معاوية حتى طلق امرأته وإنما أرادها لأبنه بئس ما صنع فلما بلغ ذلك معاوية قال لعمري ما خدعته فلما انقضت إقراؤها وجه معاوية أبو الدرداء إلى العراق خاطباً لها على ابنه يزيد فخرج حتى قدمها وبها يومئذ الحسين على بن ابن طالب (فقال أبو الدرداء إذ قدم العراق ما ينبغي لذي نهى أن يبدأ بشيء ويؤثره على مهم أموره قبل زيارة الحسين سيد شباب أهل الجنة فإذا دخلت موضعا هو فيه وأديت حقه والسلام عليه انقلبت إلى ما جئت إليه فقصد الحسين فلما رآه الحسين عليه السلام قام إليه وصافحه إجلالاً لصحبته من جده صلى الله عليه وسلم ولموضعه من الإسلام وقال له ما أتى بك يا أبا الدرداء قال وجهني معاوية خاطباً على ابنه يزيد أريب بنت إسحاق فرأيت على حقا أن لا أبدأ بشيء قبل السلام عليك فشكر له الحسين ذلك وأثني عليه وقال لقد كنت ذكرت نكاحها وأردت الإرسال إليها إذا انقضت إقراؤها فلم يمنعني مكن ذلك إلا تخير مثلك فقد أتى الله بك فاخطب رحمك الله على وعليه ليجري من اختاره الله لها وهي أمانة في عنقك حتى تؤديها إليها وأعطها من المهر مثل ما بذل لها معاوية عن ابنه فقال أفعل إن شاء الله فلما دخل عليها قال أيتها المرأة أن الله خلق الأمور بقدرته وكونها بعزته فجعل لكل أمر قدرا ولكل قدر سبباً فليس لأحد عن قدر الله مستخلص ولا للخروج عن علمه مستناص فكان ما سبق لك وقدر عليك من فراق عبد الله بن سلام إياك ولعل ذلك لا يعيرك ويجعل الله فيك خيراً كثيراً وقد خطبك أمير هذه الأمة وابن ملكها وولي عهده والخليفة من بعده يزيد بن معاوية والحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أول من أقر به من أمته وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة وقد بلغك سناهما وفضلهما جئتك خاطباً عليهما فاختاري أيهما شئت فسكتت طويلاً ثم قالت يا أبا الدرداء لو كان هذا الأمر جاءني وأنت غائب لأشخصت فيه الرسل إليك واتبعت فيه رأيك ولم اقتطعه دونك فأما إذا كنت أنت المرسل فيه فقد فوضت أمري بعد الله إليك وجعلته في يديك فاختر لي أرضاهما لربك والله شاهد عليك فاقض في قصدي بالتحري ولا يصدنك عن ذلك اتباع الهوى فليس أمرهما عليك خفيا ولا أنت عما طوقتك غبياً قال أبو الدرداء أيتها المرأة إنما على أعلامك وعليك الاختيار لنفسك فقالت عفا الله عنك إنما أنا بنت أخيك ومن لا غنا لها عنك ولا يمنعك رهبة أحد من قول الحق فيما طوقتك فقد وجب عليك أداء الأمانة فيما حملتك والله خير من روعي وحنف أنه بنا خبير لطيف فلما لم يجد بدا من القول والاستشارة قال يا بنية ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ لك وأرضي عندي والله أعلم بخيرهما لك وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً شفتيه على شفتي الحسين فضعي شفتيك حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم شفتيه قالت قد اخترت ورضيت فتزوجها الحسين بن علي عليهما السلام فساق لها مهراً عظيماً وبلغ معاوية الذي كان من فعل أبي الدرداء في ذلك نكاح الحسين

<<  <   >  >>