للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تباشرن بي وحمدن الله على سلامتي وأقمت ليلتي فلما أردت الإنصراف قلت إن لي أخاً هو عندي عدل نفسي وقد أحب معاشرتكن ووعدته بذلك فقلت إن كنت ترضاه فمرحباً بذلك فوعدتهن ليلة غد وانصرفت وأتيت الرشيد فأخبرته فلما كان الوقت خرج معي متخفيا وقد كان الله وفقني أن قلت لهن إذا جاء صديقي فاستترن عني وعنه ولم يسمع لكن لفظة وليكن ما تخترنه من الغناء أو تقلنه من قول مراسلة فلم يتعدين ذلك وأقمن على أتم ستر وخفر وشربنا كثيراً وقد كان أمرني ألا أخاطبه بأمير المؤمنين فلما أخذ النبيذ مني قلت سهواً يا أمير المؤمنين فتواثبن من وراء الستارة حتى غابت عنا حركاتهن فقال لي يا إبراهيم قد أفلت من أمر عظيم والله لو برزت لك واحدة منهن لضربت عنقك قم بنا فانصرفنا فإذا هن له وقد كان غضب عليهن فحبسهن في ذلك القصر ثم وجه منغد بخدم فردوهن إلى قصره ووهب له مائة ألف درهم وكانت الهدايا والألطاف تأتيني بعد ذلك منهن

حكاية: تناظرت المغنون يوما عند الواثق فذكروا الضراب وحذاقهم فقدم إسحاق ابن إبراهيم الموصلي ربربا على ملاحظ لملاحظ في ذلك الرياسة عليهم كلهم فقال الواثق هذا حيف وتعد منك فقال إسحاق يا أمير المؤمنين اجمع بينهما وامتحنهما فإن الأمر سيكتشف لك فيهما فأمر بهما فأحضر افقال له إسحاق للضرب أصواتاً معروفة فامتحنهما بشيء منها قال افعل فسمى ثلاثة أصوات كان أولها:

علق طيبة السكب جهلاً ... فقد أغرى بتعذيبي

نمت عليها حين مرت بنا ... محاسن ينفحن بالطيب

تصدها عنا عجوز لها ... منكرة ذات أعاجيب

الشعر والغناء لإسحاق فضربا عليه نتقدم ربرب وقصر ملاحظ فعجب الواثق من كشفه عما ادعاه في مجلس واحد فقال ملاحظ فما باله يا أمير المؤمنين يحيلك على الناس ولا يضرب هو فقال يا أمير المؤمنين أنه لم يكن في زماني أضرب مني ولكنكم أعفيتموني من الضرب فثقلت على ومع ذلك أن معي بقية لا يتعلق بها أحد من هذه الطبقة ثم قال يا ملاحظ شوش عودك وهاته ففعل ملاحظ ذلك فقال إسحاق يا أمير المؤمنين هذا خلط الأوتار خلط متعنت وهو لا يألو افسادها ثم أخذ العود فحبسه ساعة حتى عرف مواقعه ثم قال يا مخارق عن أي صوت شئت فغنى مخارق صوتاً وضرب عليه إسحاق بذلك العود الفاسد التسوية فلم يخرجه من لحنه في موضع واحد حتى استوفاه عن نقرة واحدة ويده تصعد وتنحدر إلى الساتين فقال له الاثق والله ما رأيت مثلك قط ولا سمعت به الجوارى ولايصلح لهن البتة وإنما بلغني أن الفليهد ضرب بوماً بين يدى كسرى آثر وتر فأحسن فحسده رجل من حذاق أهل صناعته فرقبه حتى قام لبعض شأنه فخالفه إلى عوده فشوش بعض أوتاره فرجع وضرب وهو لا يدري والملوك لاتصلح في مجالسها العيدان فلم يزل يضرب بذلك العودحتى فرغ ثم قام على رجله وأخبر الملك بالقصة فامتحن العود فعرف ما فيه فقال له زهوزه ورهان زه ووصله بالصلة التي كان يصل بها من يخاطبه بهذه المخاطبة فلما تواطأت الروايات بهذا أخذت نفسي به وروتها عليه وقلت لا ينبغي أن يكون الفلهيد أقوى على هذامنى فما زلت أستنبطه بضع عشرة سنة حتى لم يبق في الأوتار موضع على طبقة من الطبقات إلا وأنا أعرف نغمته كيف هي والمواضع التي تخرج النغم كلها من أعاليها إلى أسافلها وكل شيء منها يجانس شيئاً غيره كما أعرف ذلك في مواضيع الدساتين وهذا شيىء لايفي به الجواري فقال له الواثق لعمري لقد ضدقت ولئن مت لتموين هذه الصناعة معك وأمر له بثلاثين ألف درهم.

<<  <   >  >>