للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمالكي وهو ملمي ... وسالبي ثوب نسكي

نزه يقين الهوى في-ك عن تعرض الشك

لولا ما كنت أبكي ... إلى الصباح وأبكي فنظر إلى الغلام وتبسم فعلمت أن الشعر له فكدت والله أطيرفرحاً بملاحة خلقه وحسن خلقه وقوة حذقه وجودة ضربه وعذوبة ألفاظه وتكامل حسنه فاسندعيت كثيراً فأحضر الخادم عدة قطع من فاخر البلور وجيد المحكم فشربت سروراً بوجهه وشرب بمثل ما شربت ثثم قال لي أنا والله يا سيدي أحب ترفيهك ولا أقطعك عما أنت متوفر عليه ولكن إذا عرفت الإسم والنسب والصناعة واللقب فلا بد أن نشى ليلتنا

بشيىء يكون لها طراز ولذكرها معلما فجذبت الدواة وكتبت ارتجالاًوقد أخذ الشراب مني هذه الأبيات:

وليلة أوسعتني ... حسنا ولهوا وأنسا

ما زلت الثم بدرا ... بها واشرب شما

اذ أطلع الدبر سعدا ... لم يبك مذ كان نحسا

فصار للروح روحا ... وصار للنفس نفسا

فطرب على قولي ألثم بدرا وأشرب شما وجذب غلامه فقبله وقال ما جهلت ما يجب لكمن التوقير وإتما اعتمدت تصديقك فيما ذكرته فبحياتي إلا ما فعلت ذلك بغلامك فاتبعت ايثاره خوفا من احتشامه وأخذ الأبيات زجعل يرددها ثم أخذ الدواة وكتب اجازتها:

ولم أكن لغرمي والله أبذل فلسا ... لو ارتضى لي غريمي بدير مران حبسا

فقلت والله إذا ما كان يؤذي أحد حقاً ولا باطلاً وداعبته في هذا المعنى بما حضر وعرفت في الجملة أنه متستر من دين وقال لي قد خرج إليك أكثر الحديث فإن عذرت وإلا ذكرت لك الحال لتعرفها إلى صورتها فبنيت ما يؤثره من كتمان أمره فقلت له يا سيدي كل من لا يتعرف بك نكرة وقد اغنت المشاهدة عن الإعتذار وبانت الخبرة عن الإستخبار وجعل يشرب وينتحب من غير استكراه ولا حث ولا استبطاء إلى أن رأيت الشرب قد دب فيه وأكب إلى مجاذبة غلامه والفطنةتثنيه في الوقت بعد الوقت فأظهرت السكر وحاولت النوم وجاء الغلام بفرش حسن ففرش لي بإزاء فرشه فنهض إليه وقام يتفقد أمري بنفسه فقلت له أن لي مذهباً في تقريب غلامى مني واعتمدت بذلك تسهيل ما يختاره من هذا الحال في غلامه فتبسم وقال لي بسكره جمع الله لك شمل المسرة كما جمع جمعه لي بك وأظهر ت النوم وعاد إلى محادثة غلامه وعاتبه بأعذب لفظ وأحلى معاتبة ويمزج ذلك بمواعيد تدل على سعة وانبساط يد وغلامه تارة يقبل يده وتارة فمه وغلبتني عيناي إلى أن أيقظني هواء السحر وانتبهت وهما متعانقان بما كان عليهما من اللباس فأردت توديعه فخفت انتباهه وإزعاجه فخرجت فلقيني الخادم يريد ايقاظه وتعريفه بإنصرافي فأقسمت عليه ألا يفعل ووجدت غلامى قد بكر بما أركبه كما كنت أمرته فركبت منصرفاً وعاملاً على العودة إليه والتوفر على مواصلته وأخذ الحظ منه في معاشرته ومتوهما ًأن الذي كنت فيه مناماً لطيبه وقرب أوله من آخره واعترضتني أسباب أدت إلى اللحاق بسيف الدولة فسرت إلى أتم حسرة لما فإنني من معاودة لقائه وقلت في ذلك هذه الأبيات:

ويوم كان الدهر سامحني به ... فصار يسمى بيننا هبة الدهر

جرت فيه أفراس الصبا بارتياحنا ... إلى دير مران المعظم ذي القدر

فمن روضة بالحسن توقد روضه ... ومن نهر بالفيض يجري إلى نهر

وفي الهيكل المعمور منه اقترعها ... وصحبي حلالا بعد توفية المهر

ونزهت عن غير الدنانير قدرها ... فما زلت منها أشرب التبر بالتبر

وحل لنا ما كان منها محرماً ... وهل يحظر المحظور في بلد الكفر

٣فأهديت لي الأيام فيه مودة ... دعتني في ستر فلبيت في ستر

أتى من الشريف الطبع أصدق رغبة ... فخاطبني من معدن النظم والنثر

وكان جوابي طاعة لا مقالة ... ومنذا الذي لا يستجيب إلى اليسر

فلاقيت من العينين نبلا وهمة ... محلى السجايا بالطلاقة والبشر

وأحشمني بالبر حتى حسبته ... يريد اختداعي عن حياتي ولا أدري

ونزه عن غير الصفاء اجتمعنا ... وكنت وإياه كقلبين في صدر

وشاء السرور أن يلينا بثالث ... فلا طفنا بالبدر أو بأخى البدر

يمعط العيون ما أسهمت من جماله ... ومضت القلوب بالتحبى وبالهجر

جنينا جنى الورد في غير حينه ... وزهر الربا من روض خديه والثغر

<<  <   >  >>