للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكتب القاضي يحيى الدين بن عبد الظاهر يستدعى إلى حمام هل لك أطال الله بقاك في المشاركة في جمع بين ماء ونار وأنواء وأنوار وزهر وأزهار قد زال فيه الاحتشام فكل عار ولا عار نجم سائه لا يعتريه أفول وناجم رخامه لا يعتربه ذبول تتنافس العناصر على بلوغ مآربه فأرسل البحر ماء جسده من زبده لتقبيل أخمصه إذ قصرت همته عن تقبيل يده ولم ير التراب له في هذه الخدمة مدخلا فتطفل وجاء وما علم أن التسريح لمن جاء متطفلا وأعلمت النار ضدها الماء فدخل وهو حر الأنفاس وغلت من أجله فلاجل ذلك داخله من صوب تشاكله الوسواس ورأى الهواء انه قصر عن مطاولة هذه النار فأمسك متهيباً ينظر من وراء زجاجة إلى تلك الدار ثم إن الأشجار رأت أن لا شائبة لها في هذه الخطوة ولا مساهمة في تلك الخلوة فأرسلت من الأمشاط أكفا أحست بما يدعو إليه الفرق ومرت في سواد العذار الفاحم كما يمر البرق وذلك بيد قيم قيم بحقوق الخدمة عارف بما يعامل به أهل النعيم أهل النعمة خفيف اليد مع الأمانة موصوف بالمهابة عند أهل تلك المهانة لطف أخلاقا حتى كأنها أعناب بين جحظة والرمان وحسن صنعة فلا يمسك يدا إلا بمعروف ولا يسرح تسريحا إلا بإحسان أبدا يرى مه طهارته وهو ذو صلف ويشاهد مزيلا لكل أذى حتى لو خدم البدر لأزال ما بوجهه من الكلف بيده موسى كأنها صباح تنسخ ظلاماً أو نسيم ينفض عن الزهر كماما إذا أخذ صابونة أفهم من يخدمه ما يمر على جسده أنه بحر عجاج وأنه يبدو زبد الأعكان التي هي أحسن من الأمواج فلهم إلى هذه اللذة ولا تعد الحمام دعوة أهل الحراف فربما كانت هذه بين تلك الدعوات فذة.

وكتب في محضر قيم حمام الصوفية يقول العبد الفقير إلى الله تعالى فلان أن أبا الحجاج يوسف مازال لأهل الصلاح حميماً وله جودة ذهن يستحق بها أن يدعى قيما كم له عند كل جسد من صباح وكم أقبل مستعملوه (تعرف في وجوهم نضرة النعيم) كم تجرد مع شيخ صالح في خلوة وكم قال ولي الله يا بشراى لأنه يوسف حين أدلى في حوضه دلوه كم خدم من الصلحاء والعلماء إنساناً وكم ادخر ببركتهم لدنيا وأخرى فحصل من كل منهم شفيعين عرياناً ومؤتزرا كم حرمة خدمة له عند أكابر الناس وكم له يد عند جسد ومنة على رأس كم شكرته أبشار البشر وكم حك رجل رجل صالح فحقق أن السعادة لتلحظ الحجر قد ميز بخدمة الفضلاء أهله وقبيلة وشكر على ما يعاب به غيره من طول الفتيلة تتمتع الأجساد من تنظفه لحمامه بظل ممدود وماء مسكوب ويكاد كثرة ما يخرجه من المياه أن يكون كالرمح أنبوبا على أنبوب كم رأس أنشدت موساه:

ولو أن لي في كل منبت شعرة ... لسانا يبث الشوق كنت مقصرا

وكتب الشيخ جمال الدين بن نياتة إلى ابن معبد وكان متولى دمشق يشكو من حمام سرق فيها شاشه يقبل الأرض مستجيرا بهذا البيت الذي لا يذل جاره مستغيثاً بكرمه الذي ملأت الأقطار أخباره فما عبر المملوك في عمره أحر من هذه الحمام ولا نكس في رأسه العليلة مثل هذه الأيام فيا للعواطف العربية وياللمراحم النفوس الأبية فو الله لقد خف رأس المملوك من الجهتين عقله وشاشه ولقد تعوض من تاج عمته العربية مخدة فراشه ولقد أخذت منه هذه الحمام المتلفة ولقد نشفته بالمناشف فبئس الحمام والمنشفة وهذا وقت أغاثه الملهوف والرغبة في أسداء المعروف لا قطع الله عن أرواح المضطرين ترويح هباته ولا عطل من مننه المنتظمة أجياد عفاته بمنه وكرمه، وكتب الشيخ برهان الدين القيراطي وقد استدعى إلى الحمام:

قد أجبنا وأنت أيضاً فصحت ... بتلاقيك سالف وسلاف

وبساق تسبى العقول بساق ... وقوام وفق العناق خلاف

يقبل الأرض وينهي أن المملوك ما خرج عن الاهتمام لدخول الحمام فإنه متشوق لما لمولانا تشوق إليه وموجه وجه فكرته عليه وكيف يمكن الوقوع في الخلاف والميل إلى الأخلاف:

وحمامكم كعبة للوفود ... تحج إليها حفاة عراه

يكرر صوت أنابيبها ... كتاب الطهارة باب المياه

<<  <   >  >>