للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكتب الشيخ جمال الدين بن نياتة مع نقل أهداه ونهى انه تهجم ونقل منقلا لطيف الصنعة جليلا إذا تأمل نفعه إذا هبت الشرر في ليل فحمه ولعبت يد الرياح بأزاهر ضرمه فكأنه معدن ياقوت أحمر أو نبت جلنار بزهر يروق البصائر والأبصار وإلا يكن فيه على الحقيقة جلنار ففيه جلنار طالما جدت معاشرته ولذت في الليالي الشتوية مسامرته واطلع من أفقه نجوما سعيدة القران وتلا على الريح والثلج (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) ، والرأي أعلا في قبول إهدائه والله يجعل ما في قلبه في قلوب أعدائه، قرأت في كتاب روضة الجليس ونزهة الأنيس تأليف الفاضل بدر الدين حسن بن زفر المتطبب الأربلي حكى عن سليمان بن محمد المهدي الصقلي قال كان بسوسة أفريقية عليه ويعرض عنه كثيراً فبينما هو ذات ليلة منفرد بشرب الخمر وحده غلب عليه السكر وذكر معشوقه وأجرى بخاطره ما كان يفعله به من التجنى فقام من حينه فاخذ قبس نار وجعله عند باب الغلام ليحرق عليه فلما دارت النار بالباب بادر بإطفائها وقبضوا عليه واعتقلوه فلما أصبحوا نهضوا به إلى القاضي واعلموه بفعله فقال له القاضي لأي شيء أحرقت باب هذا الغلام فأنشأ يقول:

لما تمادى على بعادى ... وأضرم النار في فؤادي

ولم أجد من هواه بدا ... ولا نعينا على السهاد

حملت نفسي على وقوفى ... ببابه حملة الجواد

قطار من بعض نار قلبي ... أقل من الوصف من رقادى

فأحرق الباب دون علمى ... ولم يكن ذاك من مرادى

قال فاستظرف القاضي واقعته وشعره ورحمه وتحمل عنه ما أفسده من باب الغلام وقال الشيخ جمال الدين بن نباته في وصف حصار بالنار فما كان إلا ريثما ابتسمت لهم النار عن الموت العابس وعاملتهم من إعجال وقودها باليابس وجاءت بما ينضج ملابس الجلود وجلود الملابس وعاجلتهم من منفعة الغوث قبل العطب وأصلتهم نارا تبت بها أيدي الأبراج حمالة الحطب وإذا بأبدان البدانات القائمة قد قعدت والأبراج لتلاوة الحرب قد سجدت فهنالك هجمها المسلمون هجوم الليث الكرار وقطعت ألسنة السيوف المجادلة حجج رقاب الكفار وقال القاضي الفاضل في مثله فولجت النار موالج تضيق عنها الكفر ويعجز عنها الأبر وخولف المثل في أن السعادة لتلحظ الحجر وأغنى ضوء نهارها سؤال كل أمعة أن تسأل هذا وذاك ما الخبر إلى أن بدا ضوء الصباح وكأنه منها أمتار وانشق الشرق فكأنه من عصفرها صبغ الأزار إلى أن سرى ذا النقوب إلى المقاتل ودب سكرها بين المفاصل وغدت الجدران قائمة والبلا سار في أعقابها متجلدة والنار تحت ثيابها وقال أيضاً وقد أحمته إلى أن أحرقته وصرح الشرك وقد خاضته إلى أن أغرقته وأن الخندق بركة والبرجى لها فوارة وأن الله اعد للعدو نارا في الآخرة وأحرقهم في الدنيا بشراره وان العدو تحصن من البرج بكثيب بنفسج احرقه الله بجلنار وقال سيدي تقي الدين بن حجة في حريق دمشق هذا وكم مؤمن خرج من دياره حذر الموت وهو يقول النجاة وطلب الفرار وكلما دعاه قومه لمساعدتهم على الحريق ناداهم وقد عدم الاصطبار (ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار) ، وقال ابن سناء الملك:

يا فالق الصبح من لألاء غرته ... وجاعل الليل من أصداغه سكنا

لا غرو أن أحرقت نار الهوى كبدى ... فالنار حقا على من يعبد الوثنا

القول على الطباخ وينبغي أن يكون عند الرئيس والملك طباخ حاذق إذا لم يشته طعاماً صنع له ما يشتهيه وقيل كل طعام أعيد إلى القدر فهو فاسد وكل غناء خرج من تحت السبال فهو بارد قال بعضهم كنت جالساً عند بعض ولاة الطوف وقد جاءه الغلمان برجلين فقال لحدهما من أبوك فقال:

أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره ... وأن نزلت يوماً فسوف تعود

ترى الناس أفواجاً إلى باب داره ... فهم قيام حولها وقعود

فقال ما كان أبو هذا إلا كريماً ثم قال للآخر من أبوك فقال:

أنا ابن من ذلت الرقاب له ... ما بين مخزومها وهاشمها

خاضعة أذعنت لطاعته ... يأخذ من مالها ومن دمها

فقال الوالي ما كان أبو هذا إلا شجاعاً وأطلقهما فلما انصرفا قلت للوالي أما الأول فكان أبوه يبيع الباقلى المصلوقة وأما الثاني فكان أبوه حجاماً فقال الوالي:

كن ابن من شئت واكتسب أدبا ... يغنيك مضمونه عن النسب

<<  <   >  >>