للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آداب شرب الماء في مجلس الملوك اتفق أكابر العلماء بالأدب أن استدعاء الكوز في مجلس الملك والرئيس وشرب الماء في مواجهته من سوء الأدب وأما مجلس الملك خاصة فلا سبيل إلى شرب الماء فيه البتة، ذكر في سيرة كافور الأخشيدي حكاية ينتفع بسماعها من يلزم مجالس الملوك قالوا كان أبو جعفر مسلم وأبو الفضل جعفر بن الفضل الوزير عند كافور عشية صيف ولم يكن عنده غيرهما فقال لهما قد اشتد الحر وللثلج أيام ما جاءنا من الشام وما كان كافور يذوق الثلج وغنما كانت الكيزان توضع عليه فيشرب منها وبهذا سلم من ضرر الثلج فبينما هم كذلك إذا خبر بمجيء الثلج فقال هاتوا ثلاث كيزان فجاءوا بها فأخذ كافور كوزاً فشربه واخذ أبو الفضل كوزاً وشربه وأخذ أبو جعفر كوزاً وقام فخرج من المجلس وشربه ثم عاد وأكب على يد كافور ثم قعد أبو جعفر ساعة وانصرف وأراد أبو الفضل أن ينصرف فشاغله كافور ثم قال هاتوا أبا اليمن فجاء فقال زد في جزاءة الشريف أبي جعفر ألف دينار في كل عام وإنما اجلس أبا الفضل ليريه مكافأته لأبي جعفر عن حسن أدبه معه في شرب الماء.

كتب أبو الخطاب الصابي إلى عمه أبي اسحق الصابي مع كوز ما بعث به إليه شرط المودة أطال الله بقاء سيدي أن لا أنفرد دونه بلذة ولا اختص قبله بعطية إذا كان لا فرق بين محبتي ومحبة ولا فصل بين مبرتي ومبرته وقد شربت الساعة في هذا الكوز فوجدته أعذب ارتشافا من الأفواه وأحلى مصا من الشفاه وأصفى جوهراً من فاخر الدر وأنقى من الثنايا من المسك الأذفر:

رقت حواشيه فخ ... ف على الأنامل والقلوب

فكأنه مستعمل ... من طيب أنفاس الحبيب

يتم على القدا ولا يحول بين الماء والهوى يلطف عن صفاء الزجاج ولا يحوج الغلام إلى الثلاج أن أفرغ شف وان أترع رف تتساوى المياه فيه عذوبة وتعجب العيون قبل النفوس رؤية:

اشهى إلى الأبصار من ... وجه الحبيب بلا رقيب

تهدى لنا أنفاسه ... ما فيك من كرم وطيب

حتى كان طينته من طينتك وعذوبته مشتقة من عذوبتك وقد أنفدته مملوءاً إليك لتعلم أن قبلى مملوء من المحبة عليك والسلام.

وقال صالح بن يونس في كوز ومرفع:

أم الحياة على سرير من نحاس ... عريانة أبداً بغير لباس

هي في الممات لدى الورى معدودة ... لكنها ضمنت حياة الناس

وأهدى رجل لرئيس كيزانا وكتب إليه:

ما بعثت الكيزان إلا احتيالا ... جعلت مهجتى وروحي فداكا

منعتني الأيام تقبيل كفي ... ك فأرسلتها تقبل فاكا

ولا يسمى الكوز كوزاً لا إذا كان له عروة وإلا فهو كوب وعى ذلك فسر قوله عز وجل (بأكواب وأباريق) ولذلك نظائر في اللغة وهو ما أن المائدة لا يقال لها مائدة إلا إذا كان عليها الطعام وإلا فهي خوان كما تقدم ولا يسمى الكأس كأساً إلا وفيه شراب وإلا فهو قدح وإلى ذلك أشار العلامة ذو الوزارتين وأمام العروتين لسان الدين أبو عبد الله محمد بن الخطيب وزير صاحب الأندلس وكاتم سره في قوله لما وقف على كتاب ديوان الصبابة تأليف الشيخ شهاب الدين احمد بن أبي حجلة مخاطباً له على قوله في الكتاب المذكور:

كتاب حوى أخبار من قتل الهوى ... وسار بهم في شرق ومغرب

مقاطيعه مثل المواصيل لم تزل ... يشيب فيها بالرياب وزينب

قوله هذه الأبيات:

يا من أدار من الصبابة بيننا ... قدحا ينم المسك من رياه

وأتى بريحان الحديث فكلما صبح النسيم براحة حياه

أنا لا أهيم بذكر من قتل الهوى ... لكن أهيم بذكر من أحياه

أنشدني هذه الأبيات المرحوم فخر الدين بن مكانس وذكر أن شهاب الدين بن أبي حجلة أنشده إياها وأنه تبجح بكونه مدح كتابه قال فقلت له يا شيخ شهاب الدين خثر عليك لسان الدين وذكر أن كتابك فارغ من المحاسن قال وكيف ذا قلت لقوله:

يا من أدار من الصبابة بيننا ... قاحا ينم المسك من رياه

أما علمت أن الكأس لا يقال له الكأس إذا شرب وإلا فهو قدح فامتغص له شهاب الدين وأخبرني أن لسان الدين عارضه بكتاب سماه روضة التعريف بالحب الشريف في التصوف انتهى.

<<  <   >  >>