للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذه النبذة كفاية وعلى الجملة فمحاسن النيل مستكثرة ولو استوعبنا ما للفضلاء في ذلك من النظم والنثر لحفيت من تسطيرها الأقلام وضاقت صدور الأوراق وما أحق هذه المقاطيع أن تسمى مقاطيع النيل.

رجع إلى ما كنا فيه أنشدني من لفظه لنفسه ونقلته من خطه الشيخ الفاضل زين الدين ابن العجمي رحمه الله ملغزا سألتك أعزك الله عن سائل لاحظ له في الصدقة وغن لم يكن متصل النسب بالإشراف كثير الرجفان من غير أن يخاف كم يرد سائله نهرا وعفر وجه فاقده بالتراب قمرا مذكر كثير الحيض لطيف الانبساط سريع الغيض مطلق التصرف وعليه الحجر وطالما قبل العشاء أبدى لنا الفجر يتشعب ويتكسر ويتعوج ويتدور وله خمسون عيناً وأكثر يحمل القناطير المقنطرة ويعجز عن حمل إبرة سريع الاستحالة قل ما يثبت على حاله بعيد الغوص ليس له قرارا يعاجل صفاء وراده بالاكدار يسكن في تخوم الغبرا وينم على أحوال أهل السما رقيق القلب على كل عديم وكيف لا وهو الولي الحميم يجود بأفخر الحلى ولا يرد من نداه مؤملا كم عمر سبيلا وقطع طريقاً وأخاف سبيلاً كم طفا واحترق وأظهر الحقائق وهو كثير الملق كم علا درجاً وحط قدر الدقائق وقلع بأصابعه عين كل مارق وكم طهر أمما من أرجاسها وأماط عن أرض رديئ أدناسها وكم درأ عن شيخ خبثا ورفع كهلا وحدثا صقيل يجلو الصدا ويظهر على شدة البرد تجلدا يبلغ فيه بشئ يسير مقاماً لا ترقى إليه همة الملك الكبير كم أباح محرماً للعباد واكثر الفساد في البلاد وكم رأينا شموساً تجرى لمستقرها فيه وتجنح وتلوح في فلكه وتسبح كم خاص في ذاته خائض مع كثرة سياحته وربما وجد في الجبال رابض قد جمع فيه الخوف والرجا والكدر والصفا ومن العجائب انه كافر وكم أعان على العبادة أهل الصلاح وأضاف نزيله بالميتة ولم يخش في ذلك من جناح فسبحان من جمع فيه الأضداد وأرسله رحمة للعباد.

وقال أبو الفضل أحمد بن محمد الخازن فيه:

وخل صفاء زرته بعد هجرة ... فألقيت شخصي في حشاه مصوراً

وادعته سرا فأفشاه للورى ... فيا حسن ما أفشى الغداة واظهر

أبو حليف للثريا وأمه ... به حامل في بطن منخفض الثرى

سطح له جسم بغير جوارح ... يبارى الرياح الجاريات إذا جرى

تصافح كفى منه كفا رطيبة ... يخادع عيني كالخيال إذا سرى

تزر عليه الريح ثوبا مفرَّكا ... ويكسوه شهب الليل ثوبا مدثرا

وقال أبو الحسن الباهرزي ملغزا:

لا أحاجي في زمرة الفضلاء ... فير خل خصصته بأخائي

في شبيه البلو ردَّ إلى الماء ... وقد كان قبل عين الماء

ينذر الحر بالهزيمة بردا ... فهو المنذر بن ماء السماء

وأنشدني المقر الاشرف المرحوم أبو عبد الله محمد بن الأنصاري صاحب ديوان الإنشاء بالشام لنفسه حكاية حال:

ضلو عن الورد لما انهم رحلو ... قومي فظلوا حيارى يلهثون ظما

والله أكرمني بالورد دونهم ... فقلت يا ليت قومي يعلمون بما

وعلى ذكر الماء ذكرت ما أنشدنيه من لفظه لنفسه شيخاً العلامة أقضى القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد المخزومي المالكي الشهير بالدمامينى ملغزا في قرية وكتب به إلى المرحوم الأميني صاحب ديوان الإنشاء على يد مسطرها:

أكاتب سر الملك والفاضل الذي ... ثناه على الأفكار فرض مرتب

ومن فاه في فن البديع بمنطق ... فأمست غويصات المعاني تهذب

تحدّث عن سهل رواة كومه ... إذا ما أتاه اللغز يرويه مصعب

فديتك ما ذات أطالعكم بها ... ويبحث في الأسفار عنها ويطلب

تشدَّ وكم في الأرض قارا ما لها ... فصدق إذا ما قيل تملى وتكتب

وما هي في التحقيق رواية وكم ... لها خبر في الذوق يحلو ويعذب

مليحة شكل يألف الحب صبها ... زمانا وفي وقت لها يتجنب

ويبلغ منها للحياض حقيقة ... ولكن رأينا قلبه وهو طيب

يزيد مريدوها إذا ما تصوَّفت ... ويشكرها أهل الزوايا ويطنبوا

لها أربع لكن بساق رأيتها ... على السعى في الأحياء بالنقع تدأب

وترضع أحياناً وما حان وضعها ... وكم من فتى في حملها راح يرغب

وتحمل ما فيه الحياة لربها ... فيا حبذا منها البسيط المركب

<<  <   >  >>