للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وممن لجأ إلى السلطان واحتمى بحمايته معز الدين سنجر شاه ابن سيف الدين غازي بن مودود بن زنكي صاحب الجزيرة فنفذ فقيه الجزيرة مع حاجبه في استحلاف السلطان فأكرم الرسول وأبرم السول وكان يحث على قصد الموصل وكان هو ولي عهده والموصى له من بعده فلما فل شبا شبابه ونقل من بين أترابه إلى ترابه خلفه أخوه عز الدين مسعود وقنع ابن أخيه هذا سنجر شاه بالجزيرة وكان بعد ذلك على عمه من الجزيرة فرجا من السلطان وأمل أن يحدد له من العز منهجا مبهجا.

ذكر صاحب ماردين قطب الدين ايلغازي بن تمرتاش ابن ايلغازي بن ارتق وفاته في هذه السنة

قال: هو من جملة أمراء الارتقية ممن رتق أولوهم فتوق الإسلام ووقفوا في نصرة الدين مواقف الكرام ولهم في مبادئ خروج الفرنج غايات في الجهاد لا تدرك وملكوا من قياد المصاعب وعاد المطالب وما لا يكاد يملكوا وحفظوا حلب وأبطلوا من الفرنج عنها الطلب، ونزلوا البيت المقدس قبل استيلاء المصريين عليه وحموا ببأسهم ما حواليه فما أخذه الفرنج إلا من المصريين في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وبقيت تلك الخطة وبلاد الساحل مع أهل الشرك وعجز عنهم ذووا الملك إلى أن يسر الله سبحان فتحها للملك الناصر صالح الدين والدين يوسف بن أيوب في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وسيأتي ذكر ذلك في مقامه عند ورود عامه. فبقيت ديار بكر وبلادها في أيديهم وتفردوا فيها يتوليهم وذبوا عن محصنات معاقلها ومحصنات عقايلها فبهم بقاء بقاعها وبها يتم ضياء ضياعها وبأمرهم أمور ولاة قلاعها يتوارثها كابر عن كابر وماجد عن ماجد. وقد تقدم في عصرنا هذا ملكان أحدهما هذا قطب الدين ايلغازي صاحب ماردين ومعه ميافارقين وتلك الولايات والبلاد التي تجاورها والأعمال والمعاقل التي تقاربها والأخر نور الدين محمد بن قرا أرسلان بن داود بن سكمان بن أرتق وهو صاحب حصن كيفا وخرتبرت والبلاد التي تناسبها فلما ملك سلطاننا الشام ولزم أمره النظام فأول من لاذ ببابه وعاد بخبابه نور الدين بن قرا أرسلان فإنه خاف من حمية قلج أرسلان كما سبق فقصده السلطان ودخل حدود بلاد قلج أرسلان وخيم على كوك سو حتى زال الخوف وأمن السوء وذلك في سنة ست وسبعين وقد مضى ذكره وشاع في ذلك أمره فلما خرج من مصر سنة ثمان وسبعين راسل هذا نور الدين وابن عمه قطب الدين صاحب ماردين في مساعدته على قصد الموصل فأجاب نور الدين دعاه ولبى نداه وسار إليه وقدم عليه ونبا قطب الدين وأبى فأن صاحب الموصل ابن عمته وما لاق خذلانه بكرم سيمته ولكون شاه أرمن صاحب خلاط خال صاحب ماردين ثبت على مؤازرته بمضاء عزيمته فلا جرم سعى السلطان في نصرة نور الدين وفتح آمد ووهبها له وأناله من المال والجاه ما أناله. ثم راسله صاحب ماردين بالوفاق وتنكب نهج الشقاق فأثبت عذره ونفى ذعره ولم يزل عيشه رغيداً والظل مديداً إلى أن قلصه القضاء المحتوم والقدر المعلوم ونعى شبابه ونعب غرابه وخلف عيالاً وأولاداً أطفالاً وله ابنان صغيران أكبرهما ينيف على العشر سنة فسفرت بولايته (٢٢٠أ) بعد قطوبهما الوجوه وكفل به في ماردين أحد الأعيان من مماليك أبيه نظام الدين البقشي وتولاه تولية المشفق النبيه واستقامت الأحوال واستنابت الآمال وافتقروا إلى إشفاق السلطان وأشباله وإبدال أعراضه بإقباله وإيوائهم إلى وافر أفضاله ووارف ظلاله.

ذكر ما اعتمده السلطان في باقي هذه السنة

<<  <   >  >>