للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: ولما أستتب الفتح وخلصنا ميافارقين تجدد لنا ذكر خلاط وكيف كثر انشغالنا بسواها النشاط ولما تمادى الزمان وقرب (٢٢٣ ب) منها البهلوان راسله بكتمر وحمل إليه مع أبنته زوجة شاه أرمن الأموال التي أودعه المخزون وندب السلطان إليها الفقيه ضياء الدين عيسى فدخلها وتكلم مع الوزير وشاوره ظنا بصدق فناصحته في التدبير فظهر له من فحوى خطابه ما مخضت به الزبدة ونتجت به لواقح الآراء المستجدة وأحال الحال على البهلوان وأنه جاء ليملك المكان ولو استعجلتم لسهل ما صعب وهان وكان الفقيه عيسى قد صار صاحبا له إلى المعسكر البهلواني للتجسس ومعرفة الأحوال بلتفريس فلما حضر هناك أدعى أنه رسول وأن قوله فيما يريده ويصدره مقبول فقالوا له أن صاحبك إن جاءنا تحقق في المصلحة والمصالحة رجاؤنا فكتب إليه الفقيه عيسى يعلمه بما ذكروه وأن بحضوره تسكن الدهماء ويؤمن المكروه فكتب إلى السلطان بأن القوم قد طلبوه وله مع ما سنح من الخطوب خطبوه فكتبت إلى أتابكة شمس الدين بهلوان كتابا بإرسال الفقيه إليه عن السلطان فتوجه الفقيه رسولا وصادف إقبالا وقبولا ووجد كل ما يقترحه مبذولا وكانوا منا مستوحشين فأنسوا ومن قصدنا إياهم مستشعرين فأمنوا، ومن حركتنا حذرين فسكنوا، وبجلوا ضياء الدين وعظموه وكفلوه بالأمر وأطلعوه على السر وصيروه بالأحوال محيطا وجعلوه بيننا وبينهم وسيطا. فعاد إلينا نشيطا يدرس من شرح حشرهم وجيزا وبسيطا، وأتانا من عند أتابك بهلوان رسل مكرمون وخواص مقربون، وفتحت أبواب الرسالة وسنحت أسباب الاستعطاف والاستمالة، وعرفنا أن خلاط قد حمى عسلها نحلها، وأن غابة عقرها قد ذب عنها فحلها وأنها أعرضت بعدما تعرضت وأبلست بعدما تمرضت ففارقنا قصدنا بعدما فات انتهاز فرصة الإمكان وخلو عرضة المكان من عسكر البهلوان ولا رغبة في إيذاء الإحن وإذكاء الفتن، فتركنا الدست قايما والخصم خايفا خايما، ولبثنا أياما لترتيب ذلك الإقليم ومباشرة ضعفها وأمنها بالتقوية والتقويم وفوض السلطان ولاية تلك البلاد إلى مملوكه حسام الدين سنقر الخلاطي فحسم بايالته داء الشر ومحاسنا محاسنه بالعرف سنة النكر وأقام السياسة وأدام الحراسة. ولما دخل رجب أصحت السماء التي أضحت تحجب وجاء نذير البراد مسمعا صوت الرعد وسعا من البرق الودق بالودق فرأى السلطان أن يعجل إلى الموصل أمامه ويحكم هناك أحكام العزم وأسبابه وقال: نقضي بها هذه الشتوة وتستتم بالإقامة الخطوة فقوضنا المضارب وفوضنا إلى الله المآرب وجبنا السبايب وعبرنا السور ونكبنا مزورين عن ماردين الزور وألمنا بدار وأقمنا مسترحين ثم نصبنا الأعلام على أعلام نصيبين وورد كتاب من آمد مضمونه أن سيف الدين مايفارق قصد ميافارقين وأنه على قصد أن ينهض إليها فما رفعنا بهذا الخبر رأسا ولارأينا باسا وعرفنا أنه مع سكوننا لايتحرك ولحجرنا لايتحكم ثم انفصلنا عن نصيبين للوصول إلى الموصل وفكرنا فيما نقيم به من المنزلة بحيث يسهل على من بالجزيرة أمدادنا بالإمداد فوقع الاختيار على كفر زمار فقطعنا إليها نواحي البقعة حتى وصلنا وقررنا منازلنا بها ونزلنا في شعبان وأغلقت الموصل أبوابها وكثرت للنكاية أبوابها وأرتجت ارتجفت مغالقها وكان السلطان يركب في بعض الأيام ويشرف عليها، وهي ترفع أيدي الضراعة رجاء عاطفته إليها وهو مقيم في منزلته لا يريم ومقدم على غرامته لا يخيم، ودجلة تمد بفلكها وأفلاكها واكلاء عينا وأكلاها، والعزم مصمم على الهدو والمكث والسكون واللبث إلى أن ينقضي البرد ويقتضى بالرى والورد.

<<  <   >  >>