للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: لما نزلنا على الموصل في النوبتين اجتمع شعراء البلاد وحضر الحاضر والبادي ومابقى من ينظم وهو قعيد بيته بيتا ويجري في مضمار فروسيته كمينا إلا وقد أتى بمدحه ليعود بمنحه فتناولها فقيه ضياء الدين عيسى وكان معينا في كل نعمى وبؤس وجرح الكرام بكرمه يوئس وحملها إلى السلطان ولعلها مئة قطعة أو قصيدة لمواهب مستريدة ولعوارفه مستزيدة فقال سلمها إلى العماد ليتأملها ويعرف أصيلها ومنتحلها فمن استحسن شعره حسن بالتشريف شعاره وأكثرها درهم ودينار فإن نجود لمن يجود ومن أفاد يستفيد فسلم الفقيه تلك الأوراق وعرض مافيها على فما استملحت أكثر مااستملحت وفيها منتحل ومنتحل ومقول ومنقول وصحيح وسقيم ولاقح وعقيم معووج ومستقيم وسمين وغث وجديد ورث فلو حملنا أمرهم على مقتضى الأمر لقل من استقل بالنفع وباء الباقون بالضر فضممت نشرها وطويت خبرها وسترت عيوبها وزررت جيوبها ودرجتها في دووجها وأبقيت نجومها في بروجها وجئت إلى السلطان وقربت تلك المقروبات بسروجها وقلت ماهذا أوان الانتقاء (٢٢٢٥ أ) والانتقاد وطارد الرجاء فيك للكساد ومامن هؤلاء إلامن استفرغ وسعه وقطع في الطريق شعثه وأحال على نضو أمله نسوه وأتى بجهد المقل وهم وفدتك وقد هديه نارك وحددتههم أخبارك فجد لهم على أقدارهم ولاتشعرهم بشعار أشعارهم فقال: مابه أشرت ولنشره بعرفنا عرفت ونشرت ثم أحضر الأكياس وأجرى في تفريق جمعها القياس وأوجد الرجداء وأعدم اليأس وأغنى الوفد وزخر الحمد.

ذكر حكاية أخرى وقال: من معارفي فقيه قد تأدب وأعجم قد تعرب وعن له أن ينظم في السلطان قصيدة كانت ألفاظها مضحكة وكلماتها بالعربية والعجمية مستدركة فأوصلها إلى لاوصلها إلى السلطان وأهز بها منه عطف الإحسان فارتقبت لعرضها ليلة موافقة لأداء فرضها وجئت إلى السلطان بها وقد سر بشفائه وقر بما أقر الله عينه من أماطة أدوائه فأنشدها من جلسائه من صوته أندى ونشاده أجدى والسلطان يضحك من سماعها وتعجب من أعاجيب إبداعها وجلسائه يوافقونه على ضحكه وينظمون النظم المسموع في مسلك الاستغراب وسلكه وأنا ساكن لاابدي حركة فتعجب السلطان من سكوتي وسكوني واستغرابهم الضحك فقلت إنه استعان بي في إحسان المناب فلا اقل أن لاأسهمه بالارتياب والاغتياب فلما كان موسم أرضاء الوافدين وإغناء القاصدين وحررت ورقة بأسمائهم وتجردت لتفرقة عطائهم عين لصاحب ذلك النظم ثلاثون دينارا وجعلها له إدرارا فقلت له بل تضعفها وتجعلها ستين فإنكم ضحكتم لثلاثين وجائزة قصيدته ثلاثين فقال: أنصفت وأحسنت النيابة ولو كانت الجائزة بمقدار القيمة لم يبلغ خمسة صداق تلك اليتيمة فاستغنى ذلك المعلم وحصل له في مظنه المغرم المغنم.

ذكر الصدقة في المرض قال: لما مرض قال لي اكتب إلى الولات والنواب بالديار المصرية والشامية أن يتصدقوا على الفقراء والمساكين من المال المعد للحمل على قدره في التعيين ولم يبق في المماليك إلا من وصل إليه نصيب ودعا بالصالحات لمن الله في دعائه مجيب ومن جملة تلك الصدقات أنه أمرنا أن اكتب إلى الصفي القابض أن يتصدق بخمسة ألاف لنفوز من الثواب بأضعاف.

قال: ولما امتد زمان مرضه أمر ببناء دار عند سرادقه وحمام في أربعة أو خمسة أيام وكان من استحضر من دمشق ولديه الصغيرين تورانشاه وملكشاه وأمهما فأسكنهم فيها مدة مقامه فسماها دار العافية البرء فيها من سقامه ثم خلاها لمن يترك بها ضيوفه وجعلها للآوين إليها وقف فلله وطن وطر عمرت بعمارته الأوطان وبيت سرور خرجت بدخوله إليه من بيوت الكرام الأخوان وبنيان سلطان شاد مبان السلطنة ومكان عز تفاضل بفضله عز الأمكنة ومربط أسد تقشعر من بأسه الأسود ومجثم سداد يترافد إلى رفده الوفود وكان مثل السلطان في تلك المنزلة وهو مقيم كما قال الله تعالى في حق يونس ((فنبذناه بالعراء وهو سقيم)) فيها ألق حبل الحياة وأزجا النجاة وخص الله السلطان بفضيلة فتح القدس وقضى حاجته التي كانت في النفس وسيؤتى إن شاء الله تعالى شرح كل فتح في موضعه وكيف أشرق سنا النصر في مطلعه.

ذكر من توفى في هذه السنة من أكابر الدولة

<<  <   >  >>