للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذكر ما انعم به في شهر رمضان من هذه السنة]

قال: لما دخل شهر الصيام نوع أقسام الأنعام وأصل وفرع وأعرب وأبدع وأتفق أن بعض التجار كانت بضاعته بياقير رفيعة مالها نفاق ولا له في إخراجها ارتفاق فحملها إلى الخزانة السلطانية وهي أكثر من مائة قطعة فقال خذوها واكتبوا أثمانها إلى مصر. فاشتريت منه وكتبت له بذلك توقيع على ما في مصر من المال الحاضر وكان من كرم شيم السلطان إذا عرف في خزانته موجوداً انه لا يستطيب تلك الليلة حتى يفرقه جودا فقال لي قد اجتمعت لنا بياقير وعمايم فقد تقاضتني نفسي بجعلها على أهل الفضل والمكارم فنبدأ بأهل الدين والتقوى ونجعل لهم أوفر خط من الجدوى وكان في الوافدين ومن اهل البلد وعاظ وعلماء وحفاظ فيكون كل يوم بكرة نوبة لمن يتكلم على المنبر ثم يخلع عليهم وعلى القراء ويفضل بعدهم على الشعراء فاشتغل مدة أسبوعين بالمواعظ وسماعها وضع المنبر في ايوان القلعة للناس واجتماعها ولما فرغ الزعاظ من شغلهم وأتوا بظلهم ووريفهم قلت: قد قضينا حق الوعاظ وبقى حق الفقهاء وهم العارفون بأداة الشرع ناقلون حكم الأصل والفرع ولابد من إحضارهم في الأيام الباقية من هذا الشهر وسماع مناظرة أئمة العصر فقال: أنهم يقضي بهم الخلاف إلى التشاحن والتضاغن فقلت: أنا أضمنهم ولا أحضر إلا أوقرهم وأوزنهم فقال: أنت تتعصب لهم لأجل إجلالهم لا يمهلهم ولا تغفل عنهم فحضر أول يوم في ذلك المحفل جماعة أكابر من مشايخ أهل أفضل فجرت مناظرة مفيدة ومباحثة مبدية للفضل معيدة فأول من أشار إليه السلطان بالاستدلال من هو منظور بعين الاستقلال وهو مدرس الحنيفية في المدرسة النورية برهان الدين مسعود فتأبى وتنكب وخاف أن يعرض عليه من لا يباريه في نظاره ولا يجاريه في مضماره فقلت له أبدر إلى الميدان منطلق العنان فما يقوم برهان إلا بالبرهان فقال: أن كنت تعرض فأنا بحكمك افترض فأجبته إلى مراده وأمنيته أن يجاريه سواي في ميدانه (٢٢٩ب) وبجلته بان أكون في أقرانه فشرع إلى الدليل وقضى حق السايل في السؤال والجواب ثم نص السلطان علي في الاعتراض فباشرت إبكار أفكاري بالاقتضاض ونفيت العلة وشفيت الغلة وحللت الأشكال وأعدلت ما مال وبنيت فيه الاختلال. وكان تمسكه بحديث ثم شرع في إثبات الحكم بالقياس فألزمته الانتقال فشرع فقي الجواب واحسن بما أمكن وتعوض النادي وسال بالفوايد الوادى.

كان في اليوم الثاني محفل أحفل واستدل فيه أكبر مشايخ الحنفية بدر الدين عسكر واعترض عليه من أصحابنا القاضي محي الدين بن الزكى ففاض الفضل ودر الحفل، وكان السلطان يجلس كل يوم لطايفه ويجدد ذكر كل تالدة بطارفه فلما دنا العيد وقرب من الأمل البعيد أمر بإثبات ما يخص بالخلع فكانة أكثر من مائتين وخرجوا عن عدة المعينين فأمر بابتياع العمايم وإحياء سنة المكارم ونقل جميع ما في الأسواق إلى الخزانة للإنفاق وكنت قد أخذت رسم التشريف في أول شهر رمضان فسحبت في العيد بالدخول في زمرة العلماء بالخلع المستجدة الأردان وكان قد اجتمع الوفود والرسل من الأطراف فدخلوا في عموم الإسعاف بخصوص الألطاف. قال: وفي هذه السنة بنيت داري بدمشق مقابل القلعة وكان السلطان لا يكاد يقيم في بلدة ولا يستقيم على أحد ينتقل في البلاد أما للجهاد وإما للاستكبار من الممالك وإخراج الملوك إلى الانقياد فلما أقام في هذه السنة سنة اثنتين وثمانين بدمشق للاستراحة كان يستدعيني ليلاً ونهاراً ويستكفيني في المهمات والملمات سرا وجهارا فبنيت داري للقلعة مجاورة ليقرب طريق قصده وأدخل داري إذا خرجت من عنده فهي الآن مربعي ومناخي وبه أفراحخي وهي حقه دري وحقه دري وبيت عطاردي ونظم أو أنسى وشواردى.

ذكر ما تجدد من الخلف بين الفرنج

<<  <   >  >>