للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان السلطان في قلبه وراء التل وهم لايبصرونه فتحين إليه فل الميسرة المكسورة فهاج نحوه بالهمم الموتورة، وساق وأشرف من التل على القوم، وقال: لاونية بعد هذا اليوم وبدر من أصحابه أميران بالجملة واختلطا مع الجاليشية فأحاطوا بهما ولم يفلتا واتلفا، وحينئذ ظهر البرج مبرح الغطا وكانوا حلفوا أنهم لايبقون على أحد ولايقرون من الصلاحية روحا في جسد.

وقويت أطماعهم بظفر الميمنة وقتل من لقوه في المقدمة فحملوا حملة واحدة راكضة إلينا طاردة والسلطان واقف في صفه ألف بالفه، واثق بزحفه، مايح بحره في غدير زعفه. وكانت حملتهم من مسافة بعيدة وشقة مديدة فقال لأصحابه تثبتوا وقفوا دعوهم يتعبروا ويركضوا وينقضوا قواهم ويرفضوا وإذا قربوا منا أبعدناهم، واذاوصلونا قطعناهم فنحن نعطيهم الأشواط، ونوليهم الإفراط، وهم يصلون متسابقين متفرقين فإذا دنوا من بنيان صفنا المرصوص أنقض عليهم جداره، ولفح وجوههم أواره. وكانت حملتهم وقدام الألوف مائون وإمام المائين عشرات وقد سبقتنا آحاد منتشرات، فلما حملتهم حملتنا وصدمتهم صدمتنا عكستهم وأركستهم وردت أولهم على آخرهم وسيارهم إلى سايرهم، ولم يعرف ساقيهم ماتم على مقدمهم، ووقع التخاذل والتفاشل في ميمنتهم وميسرتهم، وركب السلطان أكتافهم حتى أخرجهم من خيامهم ووكل بسرادق سيف الدين غازي عز الدين فرخشاه، وركض وراءه حتى علم أنه تعداه، ووقع في الأسر جماعة من الأمراء المقدمين ثم من عليهم بالخلع والتشريفات بعد نقلهم إلى حماة، وأطلقهم وأعتقهم بعد أن أسترقهم.

ثم نزل في السرادق السيفي فتسلم خزاينه واصطبلاته ومطابخه ورواسي عزه ورواسخه، والقدور على المواقد رقود، والندامى المواعيد قيام وقعود، والخمور مقدمة، والزمور مقدمة، والملحنون والمرقنون جلوس وبأيدي البدور شموس، والخيل على طايلها صفون، وما نطول الحديث فللحديث شجون، فبسط في جميع ذلك أيدي الجود وفرقها على الحضور والشهود وأبقى منها نصيبا للرسول والوفود، ورأى في بيت الشراب بل في السرادق الخاص طيورا من القمارى والبلابل والهزاز والببغاء في الأقفاص فاستدعى أحدى الندماء هو المظفر المعرى الأقرع وهو مما به يتجشى ويتجشع فقال له: طب نفسا فاستبدل من الوحشة أنسا وخلع عليه وقال له: خذ هذه الأقفاص واذهب إلى سيف الدين وأوصلها إليه وسلم عنا عليه وقل له: عد إلى اللعب بهذه الطيور فهي سليمة لا توقعك في المحذور.

ولما كسر القوم وولوا مدبرين ركضوا إلى حلب فلم يقف بعضهم على بعض، وظنوا أن العسكر ورائهم ركضا وراء ركض، وما سار ورائهم عسكر لكنهم لشدة رعبهم قطعوا نياط القلب، وما صدقوا كيف يصلون إلى حلب فيغلقون أبوابها ويسكنون اضطرابها.

وأما سيف الدين فأنه ركض في يومه من تل السلطان إلى بزاعة، وجاوز في سوقه الاستطاعة، وفرق وفارق الجماعة.

ومن الإنشاء ألفاضلي في هذه الوقعة إلى الأستاذ جلدك بدمشق كتاب منه نشعرك أيها الأستاذ الجل بكسرة المواصلة والحلبيين والديار بكريين يوم الخميس عاشر شوال على تل السلطان بعد أن وقفوا وواقفوا، وأخلف الله ظنونهم بما نكثوا وعصوا وخالفوا فأظهر الله فيهم القدرة ودمر عليهم بهذه الكسرة، وأخذهم من أمرهم على غرة، وأجرانا على أفضل عوايدنا من الاستظهار والنصرة.

ولم تزل الجيوش بعقب المنهزمة فإذا طرح الراكب إلى الأرض عفت عنه السيوف المتضرمة، وكذلك عودنا الله أن نغفر مع الاقتدار، ونقيل عظيم العثار، والحمد لله الذي مكن لنا الأرض، ولم يجعلنا ممن يفعل في العباد ما لم يرض.

قال رحمه الله:

[(١٨٢ أ) ذكر وصول شمس الدولة تورانشاه أخي السلطان من اليمن]

ودخوله إلى دمشق في سابع شوال فكتب السلطان بخطه من الإنشاء ألفاضلي: ((قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا أنه من يتق ويصبر فإن الله لايضيع أجر المحسنين)) فالحمد لله الذي أذهب الحزن ووهب الحسن وأغاث الشام بسحاب منشؤه من اليمن، وأرضانا باللقاء اليوم كما أسخط أمس بالفراق على الزمن.

نفسي الفداء لغايب عن ناظري ... ومحله في القلب دون حجابه

لولا تمتع مقلتي بلقائه ... لوهبتها لمبشري بايابه

<<  <   >  >>