للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخلص من الأسر أكثر من مائة مسلم أحضروهم للعمارة وقطع الحجارة. وأكثر من أسر قتله الغزاة المطوعة والرعاع المجمعة فكان فتحا هنيا ومنحا سنيا وما ظن لتوثيق بنائه وتوغير سبله يتأتى افتتاحه أو يتصور اجتياحه وكان قد بذل في هدنة لهم ليأمن الناس منهم مبلغ ستين ألاف دينار فلم يذعنوا بالقرار وبلغ المبلغ مائة ألف دينار فثبتوا على الإصرار.

وقال: ورأيت السلطان مستبشرا يتلألأ وجهه بنور السرور وعنده رسول القومص معافى وهو يشاهد بلية أهل ملته, وكان الحر شديدا لا يطاق ودم الشرك مباحا يراق, وقد وقد القيظ وأن وقد الغيظ وسير من أبقاه الأسار إلى دمشق فأقام السلطان في مخيم والأموات قد جافت والأحياء قد عافت وقال: ولا أبرح حتى أهدم الموضع من أساسه وأعيد الرجاء في أعادته إلى بأسه فقسمناه أذرعا على البأس حتى (١٩٩ب) هدوه إلى الأساس وعاد المشهد اليعقوبي مزورا ورأى الابتهاج بزيارته منشورا. ودخلت الحصن فشاهدت العجب ورأيت فارسا قد ألقى على النار حصانه وهو راكبه فانظر إلى هذه الحمية والأنفس الأبية. وأقام السلطان في ذلك المنزل الكريه حتى فرغ من التخريب ورحلنا يوم الأربعاء وعند الوصول إلى دمشق مرضنا من وبال ذلك الوباء ونتن ذلك الهواء وانتقل إلى جوار الرحمة أكثر من عشرة من الأمراء ومن الله غلة بعد الأشقاء بالشفاء.

قال: وهنأ الشعراء السلطان بفتح هذا الحصن فمما بقي على ذكرى من ذلك ما أنشدنيه الفتى أحمد بن نفاذه:

هلاك الفرنج أتى عاجلا ... وقد آن تكسير صلبانها

ولو لم يكن قد دنا حتفها ... لما عمرت بيت أحزانها

ولأبي الحسن علي بن محمد الساعاتي الخرساني من أهل دمشق قصيدة أولها:

بجدك أعطاف القنا تتعطف ... وطرف الأعادي دون مجدك يطرف

وقفت على حصن المخاض وأنه ... لوقف حق لا يوازيه موقف

أيسكن أوطان النبيين عصبة ... تمين لدى أيمانها وهي تحلف

نصحتكم والنصح في الدين واجب ... ذروا بيت يعقوب فقد جاء يوسف

ولأبي الفتح سعادة الضرير الحمصي من قصيدة:

وقدت إلى الأعداء جيشا عرمرما ... إذا أبرقت فيه الصوارم أرعدا

خميسا كسوت الجو ثوبا ممسكا ... به وكسوت الأرض ثوبا موردا

لها ما يريك الشمس ثاير نقعه ... يقلب مطرفها من الطرف أرمدا

ترى الليث فيه بالحباب مؤبطا ... نزا البدر فيه بالشهاب مقلدا

طما بالمحاصير الصواهل بحره ... الخضم وبالبيض المباتير أزبدا

وأبدى من الخرصان لمعا مفضضا ... يعود يوشك الطعن لمعا معسجدا

فلم تبق للطغيان شملا مجمعا ... ولم تبق للأيمان شملا مبددا

وللأمير نجم الدين محمود بن الحسن بن نبهان العراقي من أهل الحلة المزيدية في السلطان أيضا من كلمة:

وأوردت بيض الهند ماء رقابهم ... وأصدرتها تختال في حلل حمر

جلوت بها صمصامة الدين بعد ما ... علا متنها من بغيم صدء القسر

هي للفتكة الغراء لا زلت قايما ... بأمثالها للدين في السر والجهر

فأصبح في أقصى خرسان ذكرها ... وفي كل قلب منه جيش من الذعر

قال: وفي هذه السنة كان طهر الملك العزيز أبي الفتح عثمان ولد السلطان وسمعته يقول مولد عثمان بمصر ثامن جمادى الأولى من سنة سبع وستين وخمسمائة. وكان أحب أولاده إليه وأعزهم وأثناهم لأعطاف سروره به وأهزهم وهو ريحان شمه وفينان ضمه ورأس ماله وأساس أقباله. وكانت فراسته فيه من علم الغيب الذي أطلعه الله عليه فهو الذي من بعده نظم سلكه وضم ملكه وجمع شمله وأبقى أفضاله وفضله ولزم إحسانه وعدله. ولما وصل من مصر إلى الشام في سني سبعين برح به اشتياقه وأزعجه فراقه فاستقدمه إليه فطلع قمره وينع ثمره وثاب أنسه وبلغت المنى نفسه وقال: وأنشدت أسلطان تهنية بقدومه كلمة منها:

(٢٠٠أ) يا أسد تحمي عرين العلي ... هنيت جمع الشمل بالشبل

ياطيب الثمر بلغت المنى ... تمليا بالطاهر النجل

يحكيك أقداما وبأسا فما ... أشبه هذا الفرع بالأصل

ملك قضى الله له أنه ... على ملوك الأرض يستغنى

شمله المجموع آمالنا ... بنجمها مجموعة الشمل

<<  <   >  >>