للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال كان خواص السلطان إذا خلوا به ذكروا المذكور وأن له الذخر الموفور وأنه استوعب أموا زبيد وأقنى الإماء والعبيد، وكنز كنوزا تأبى أن تبيد ولو حضرت ملأت البيد فيقول ما عليه سبيل ولا لما تذكرون دليل، وقد أغناه اله في دولتنا فلا نفقره، وعظمه بعظمتنا فلا نحقره، فكانوا يمتعضون من هذا الحديث، ويتقولون عليه الأقاويل، ويحققون فيه الأباطيل إلى يوم الدعوة العدوية، واشتغاله بأشغالها وتوله إليها لا حوالها، واستدعاء آلات من البلد واحتفاله بجمع المطرف والمتلد. فقالوا للسلطان أن سيف الدولة اليوم في همة عظيمة وحث عزيمة ونهز هزيمة، فإن لم تدركوا فات، وهيهات هيهات، فأمر بهاء الدين قراقوش بأن يعدي إلى العدوية العدوي وأن يركب الجد في احضاره وجدوى فجاءه فجأة على تلك الحالة ولما رآنا عنده عرف اخلال تلك المقالة فأركبه على عادته الجميلة وعزته الجليلة ونحن معه (٢٠٥أ) وللأمير قراقوش عاتبون وسرنا إلى العصر حتى وصلنا إلى القصر فأرد الملك العادل له فيه دارا ورتب له ولأصحابه من وصايف الطعام والشراب أدرارا فسمح السلطان خاصته بثمانين ألف دينار ولم يظهر فيها بيع متاع ولا اتدانة عقار وعزم لأخوي السلطان الملك العادل وتاج الملوك ما حافظ به على نهج كرمه المشكور وخرج مشرفا مكرما وزاد السلطان في تكريمه ورفع مرتبته ونفذ إليه خط يده بأن المبلغ دين في ذمته ثم باعه أملاكا بمصر بثلاثين ألف دينار وبذل له كل ما طلب عن إيثار واختيار.

وكان هذا الأمير من رجاحة عقله وحصافة فضله ما سمعت منه قط شكوى ولا حكاية في بلوى، وقتل أخوه حطان بزيد وأخذ ماله فلم يظهر للسلطان منه كراهة وكل نزاهة ونباهة قال ومما أنشدينه لنفسه قوله ف حال أحضرت.

وهيفاء ما زالت عساكر حسنها ... تغير على العشاق ثأره ثائر

لها في احمرا الخد خال مورد به ... خضرة شفافة للنواظر

فقلت لها ماذا النجيع الذي أرى ... وهل صيغ خال قلبه من جواهر

فقالت وقد لاح الحياء وجهها ... حالت جيوش البحر بين المجاهر

سكفت دماء واشتققت مزايرا ... فما ذاك إلا من دم ومزاير

قال وفي هذه السنة تقرير مع سيف الإسلام ظهير الدين طغتكين بن أيوب أن يمضي إلى بلاد اليمن وزبيد وعدن ويقطع بها الفتن ويتولاها ويولي ويعزل ويستثبت ويستبدل. فسار بعد مسيرنا إلى الشام وجرت مملكته فيها على أحسن النظام وذلك في سنة ثمان وسبعين. ووصل إلى زبيد وحط حطان عن رمحته فاستشعر وآوى إلى بعض الحصون في ذروته وأمنه وسكنه وزال مخافته وأظهر له رأفته ومارجه ومازحه (ونافقه وأمنه) وأثر له في داره وأدخله الجنة وهو في ناره وهو يقول: أمري بمشية مشيتك يتمشى وملكي بتوشية تدبيرك يتوشى وأنا في مراد مرادك أتغدى وأتعشى فقال له حطان: أنت السلطان ومنك الإحسان وفي تخلية سبيلي لك الامتنان وقد تأكدت منك بالأمان الإيمان فقال له ما أردتك عندي إلا ليرى رأيك زندي ثم أذن له الإنفصال إلى الشام وهو يبدي الكراهية ويريه أن لعيشته بمقامه لديه الرفاهية فجمع حطان كل ماله من سبد ولبد ولجين وعسجد وياقوت وزبرجد وآلات وعدد وحصن وحجور غراب ومال أنفذه من اليمن بغير حساب ثم قدم أمامه أحماله وأثقاله وظن أنه نجا وفاز وركب الأوقات فورد إليه ليودعه ثم يشيعه ويركب معه فلما دخل إليه اعتقله وسير وراء ماله من أقفلة وغلى خزانته نقله ثم أنفذه إلى بعض معاقله فحسبه ثم قتله ومما ذكر السلطان عن خبر ذهبه أن نيفا وسبعين غرفا من غلف الزرد كانت مملوءة بالذهب الأحمر المنقدة وقوم الأخود بألف ألف دينار، وأما صاحب عدن الأمير عثمان الزنجلي فإنه لما سمع بسف الإسلام تجهز إلى الشام قبل أن يحطم كتحطم حطان بالحطام.

ذكر عاطفة مستغربة

<<  <   >  >>