للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم رحلنا من البيرة والميرة مبرة، وألطاف الله مستديرة وفي كل يوم قوم لهم في بحرنا عوم وفي كل فجر فجر ولكل جمع جمر وعسكر وافد وعثير عاقد وبيارق تبرق وبوارق تخفق. ونزلنا بالرها واستمرت أياما حصرها. وفيها الأمير فخر الدين مسعود بن الزعراني فتنمر وتذمر وتربض وتصبر ثم رأى أنه لا طاقة فاستبدل من عبوسه الطلاقة وأرسل إلينا بتسليمها لسلامته ووفينا حق كرامته، وتسلمها مظفر الدين وغلى حران مضافة ووجد بهما في رتبة العلاء أنا قد جئتنا إلى حران ظافرين ظاهرين قادرين قاهرين وسحب البأس بارقة راعدة، ومثارات القتام من تحت الصلاد فوق الصعاد صاعدة وأقمنا حتى أقمنا الشعار وأتممنا الاستشعار فرحلنا إلى الرقة وتم الحصر والنزال وفيها الأمير ابن حسان قطب الدين ينال فدارت على قطبه الرحى ورأى من النازلين عليه جنح الدجى في زاد الضحى ثم عرف أنه لا يطيق ومن مكر خطبه لا يفيق فبذل أذعانا وسأل أمانا وسلم وعصم المال والدم وخرج بنفايس أمواله بعد ترك ذخاير عدده وغلاته وفارق وما رافق ووفا لصاحبه وما وافق ورفقنا ريثما أصلحنا الفاسد، ووفقنا الكاسد وولينا في البلد من أهل الجلد من يفي بحفظ المطرف وصون المتلد. ولما أتممنا المصالح وأجملنا المناجح هززنا معاطف الزمان إلى مشهد الرمان وأثنينا اعنة العراب إلى عرابان وحين قربنا منها تلقانا قضاتها ورؤساؤها ورجالها ونساؤها وخينا على ظاهرها فرفعنا منهم الرؤوس ووضعنا عنهم المكوس وضربنا على الضرايب وقللنا بنوب النوايب وتواصلت أخبار وصولنا إلى الخابور وهبت فيه قبول أقبالنا أدبار البور وشاع العدل وذاع ورنبنا على قانون المعدلة الأوضاع وفتحت من عين رأسها عينها وأصلحت بالطاعة والتباعة بيننا وبينها. وقطعنا نهر الخابور على قنطرة التنين وأخذنا الطريق إلى نصيبين يسرة ونصبنا بنصبين خيامنا بعد ثلاث وسلكنا مسالك سهول وأوعاث ودخلنا المدينة وأنزلنا بها السكينة، وجئنا إلى القلعة وقد تحصنت وبمنعتها تحسنت وأشفقنا في حصرنا من سفك الدم وهتك الحرم ووكلنا من يمنع من الدخول والخروج وسلطنا إلى اللجاج على واليها اللجوج فأرسل بعد برهة من الأيام في الغسلام والإستسلام، وتسلمناها بما فيها من أخاير الذخاير وعولنا في تولي نصبين على حسام الدين أبي الهيجاء السمين وكنا قد ولينا الخابور جمال الدين خوشترين. ولما توفر نصيبنا بنصيبين واختلينا من مشرق الظفر النصر المبين وكانت الحشود مجتمعة والوفود مزدحمة والعقود منتظمة والسعود ملتيمة وقطعنا أعمال بين النهرين وأزرنا الرعية زور الرعاية وأمرنا بالعدل والغحسان في تلك الولاية ثم حزناها إلى أعمال البقعة ووضلنا إلى بلد وأشرفنا على دجلة وكنا أوردنا خيلنا في أشهر من تلك السنة في أسفارنا الحسنة (٢٠٨ب) نيل مصر والفرات ودجلة فأصغت إلينا المسامع ومالت نحونا المطالع، وتواصل إلينا مقطعوا البلاد وترادفوا أمدادا بعد الإمداد ومن ثم صممنا عزم الوصول إلى الموصل وبشرنا الصواري بقرب المنهل وأطرنا الاطراد برياحها الأربع وسرنا إليها بقصد المصيف والمربع وقربنا منها في مراحل متقاربة وقد دمدمت بما أثار الأسد عين القراة وبطشت من ليل العجاج بصفو النهار يد الأزلة وعادت تلك البراءى من مراكز رماحنا بساتين ومن مراكض جيادنا ميادين والليوث معتقلات ثعابين ممتطيات سراجين وكأنها رياض تخلوا بأيديها من القواصب رياحين قال: ولما قربنا من الوصول كبرنا تكبير من ظفر بالسؤال وتقدم السلطان في الأمراء ذوي الآراء ودار حول السور وعين لكل مقدم مقاما ولكل مقدم أقداما فنزل هو وراء البلد وتقي الدين من شرقيه بأهل الجلد وأخوه تاج الدين بورى عند باب العمادية، ودايقنا الأسوار أشد المدايقو وصاحب الموصل حين إذاً أتابك عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي وتولى نايبه مجاهد الدين قايماز حافظ البلد بأحسن تدبير وتلقى كل ما قابله من العسر بوجه يسير. وكان قد كاتب الديوان العزيز لإيعاز بأعزاوه وإيعانته على أعوازه وله موعد إنجاح وإنجاد عند الصاحب مجد الدين فتقاضى بإنجازه.

ذكر وصول رسل دار الخلافة

<<  <   >  >>