للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي مصر وبر الشام وغيرهما من الأقطار العربية اليوم كثير من المبرزين في حلبة الإنشاء يضيق صدر هذا الموجز دون تعداد القليل منهم.

وأما الشعر فقد سار مع الإنشاء جنبا لجنب، خصوصا في هذه الأيام التي كثر فيها الشعراء المجيدون الذين رجعوا بالشعر إلى عهده المجيد. فنظموا من المعاني الاجتماعية والفلسفية والحماسية والشعرية عقودا يفتخر بها نحر العصر إلى أبد الدهر، كل ذلك بأسلوب عربي ترتاح إليه النفوس، وتصبو نحوه العقول.

ولا يخلو العصر الحاضر من بعض كتاب وشعراء يخالف أسلوبهم أسلوب العرب، وينحون بتراكيبهم منحى الإنشاء الإفرنجي (إما عن جهل بالأساليب الصحيحة، وإما عن اعتقاد بأن ذلك أفضل) وإني أرى أنه يخشى من سريان عدوى هؤلاء إلى الإنشاء العربي والشعر الجزل. فعسى أن يقلعوا عن هذا العمل - إن كانوا عربا - حرصا على ديباجة اللغة، ورأفة بأمهم الحنون، ونحن لهم من الشاكرين. فإن أبوا إلا المشاغبة فإني أحيلهم إلى المقال الذي كتبته في (أريج الزهر) فإن فيه مقنعا لهم على ما أظن.

ومما ينعش الآمال، ويحيي الرجاء أن كثيرا من المدارس أخذت تعنى باللغة العربية وآدابها، وتبذل الوسع إنهاضها. وإن لنا في كلية (الجامعة المصرية) آمالا كبارا. فقد علمنا إنها لا تألو جهدا في إحياء دوارس اللغة، والسعي نحو ترقيها، بإلقاء المحاضرات، وتأليف الكتب، وإرسال الطلاب على نفقتها إلى الجوامع الأوروبية. أخذ الله بيد كل من يعمل لإحياء هذه اللغة، ويسعى لإنعاشها.

أما ما يسعى إليه بعض الذين استهواهم التفرنج من المسلمين غير العرب، من بذل الجهد وراء ترجمة (القرآن الكريم) إلى لغتهم ليقرأوه بها، فإن هذا - وإن كان لا يضير العرب والعربية شيئا - فإنا نراه مخالفا للدين، مضيعا للمقصد الأعظم الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.- ولعمري لا يسعى بذلك إلا من فيه عرق من مجوسية. والمسلم كل المسلم - أية كانت لغته أو جنسيته - هو من يسعى في إحياء اللغة العربية، ويعمل على ترقيتها، وتكثير سواد المتكلمين بها فإنه بذلك يخدم الإسلام خدمة جلى. ينال فيها الأجر، وحسن الذكر، في الدنيا والآخرة.

وقد آن لنا أن نختم هذا الفصل. ونشرع فيما قصدنا إليه. وهو الكلام على رجال (المعلقات) . وبالله المستعان.

[تنبيه]

إن اعتمادنا على ما نذكره من الكلام على المعلقات ورجالها وأشعارهم وما يتبع ذلك من تاريخ العرب هو على (الأغاني) و (خزانة الأدب) للبغدادي و (العقد الفريد) لابن عبد ربه و (شرح شواهد المغني) للسيوطي وشروح المعلقات ودواوين (زهير) و (طرفة) و (النابغة) و (الشعر أو الشعراء) لابن قتيبة. و (تاريخ آداب اللغة العربية) لجرجي زيدان و (آداب اللغة العربية) للمرصفي وتاريخ (أبي الفداء) و (تاريخ المسعودي) . غير أن جل الاعتماد وكثرة المآخذ إنما هما عن (الأغاني) و (خزانة الأدب) لذلك فلا حاجة للتنبيه على المأخذ. خصوصا وإننا قد تصرفنا في بعض العبائر وأدمجنا عبارة رجلين أو أكثر في موضوع واحد محافظين على روح المقصد.

[المعلقات]

المعلقات هي قصائد قد اختارها العرب من شعر فحولهم، وذهبوها على الحرير، وناطوها بالكعبة تشريفا لها، وتعظيما لمقامها، واعترافا بحسن سبكها، حتى أصبحت العرب تترنم بها في نواديها.

واختلف أصحاب الأخبار في شأن هذه المعلقات. فقال بعضهم: إن العرب قد بلف من تعظيمهم إياها أنهم علقوها بأستار الكعبة. وأنكر ذلك بعضهم وأكبره. وأقدم من أنكره (أبو جعفر النحاس) النحوي. وأكثر العلماء يذهب إلى أنها علقت في الكعبة. قال (ابن عبد ربه) : (وكان معاصرا لابن النحاس وتوفي قبله سنة ٣٢٨ هـ-) "وقد بلغ من كلف العرب به (أي بالشعر) وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة، وعلقتها بأستار الكعبة. فمنه ما يقال له: "مذهبة امرئ القيس" و"مذهبة زهير". والمذهبات سبع، ويقال لها (المعلقات) ." وقد أيد أخبار تعليقها في الكعبة كثير من الناس في أعصر مختلفة. منهم (ابن رشيق) صاحب كتاب (العمدة) وهو من أكبر نقدة الشعرة. ومنهم (ابن خلدون) الأديب المؤرخ المشهور.

أصحاب المعلقات

<<  <   >  >>