للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم طلب أنو شروان الحارث بن عمرو "الذي تابع أباه على الزندقة حتى ولاه مكان المنذر" فبلغ "الحارث" ذلك وهو "بالأنبار" وكان بها منزله - فخرج هاربا في هجائنه وماله وولده. وتبعه "المنذر" بالخيل من "تغلب" و"بهراء" و"إياد". فلحق "الحارث" بأرض "كلب" فنجا. وانتبهوا ماله وهجائنه. وأخذت بنو تغلب ثمانية وأربعين نفسا من "حجر آكل المرار" جد "الحارث" المذكور. فقدم بهم على المنذر، فضرب رقابهم. وفيهم يقول "عمرو بن كلثوم":

فآبوا بالنهاب وبالسبايا، ... وأبنا بالملوك مصفدينا

قالوا: ومضى الحارث فأقام بأرض "كلب". فكلب يزعمون أنهم قتلوه. وعلماء "كندة" تزعم أنه خرج إلى الصيد فألظ بتيس من الظباء فأحجزه، فآلى ألية أن لا يأكل أولا إلا من كبده، فطلبته الخيل ثلاثا، فأتى به بعد ثالثة وقد هلك جوعا. فشوى له بطنه، فتناول فلذة من كبده فأكلها حارة فمات.

[خبر أبي امرئ القيس]

أبوه هو "حجر بن الحارث بن عمرو". وكان "الحارث" أبوه قد ولاه على بني أسد وغطفان. - كما تقدم - فضرب عليهم إتاوة كانوا يؤدونها إليه كل سنة. وبقي على ذلك حينا حتى أثقلهم. فلما علموا بنكبة أبيه ثم بموته طمعوا فيه وأظهروا العصيان وامتنعوا من أداء الأتاوة. وذلك أنه بعث إليهم جابيه الذي كان يجبيهم فمنعوه ذلك - وحجر يومئذ بتهامة - وضربوا رسله وضرجوهم ضرجاً شديداً قبيحاً. فبلغ ذلك (حجرا) فسار إليهم بجند من (ربيعة) وجند من جند أخيه من (قيس) و (كناية) . فأتاهم وأخذ سراتهم، فجعل يقتلهم بالعصا، فسموا عبيد العصا، وأباح الأموال، وصيرهم إلى (تهامة) . وآلى بالله أن لا يساكنوهم في بلد أبدا. وحبس منهم (عمرو بن مسعود بن كندة ابن فزارة الأسدي) - وكان سيدا - و (عبيد بن الأبرص) الشاعر. فسارت (بنو أسد) ثلاثا. ثم إن (عبيد بن الأبرص) قام فقال: "أيها الملك اسمع مقالتي" وأنشده قصيدة منها:

يا عين، فابكي ما بني ... أسد، فهم أهل الندامة

أهل القباب الحمر ... والنعم المؤبل والمدامة

وذوي الجياد الجرد ... والأثل المثقفة المقامة

إما تركت تركت عفوا ... أو قتلت فلا ملامة

أنت المليك عليهم ... وهم العبيد إلى القيامة

ذلوا لسوطك مثلما ... ذل الأشيقر ذو الخزامة

فرق لهم (حجر) وصفح عن جريرتهم حين سمع قوله. فبعث في أثرهم، فأقبلوا. حتى إذا كانوا على مسيرة يوم من (تهامة) تكهن لهم كاهنهم (وهو عوف بن ربيعة) أنهم سيقتلون حجرا وينهبون أمواله. فركبوا كل صعب وذلول، فما أشرق لهم النهار حتى أتوا عسكر (حجر) . فهجموا على قبته. فلما نظروا حجابه (وكانوا من بني الحارث بن سعد يقال لهم (بنو خدان) ، وكان حجر قد أعتق أباهم من القتل) إلى القوم يريدون قتله خيموا عليه ليمنعوه ويجيروه. فأقبل عليهم (علباء بن الحارث الكاهلي) وكان حجر قد قتل أباه، فطعنه من خللهم فأصاب نساه فقتله. فلما قتلوه قالت بنو أسد: "يا معشر كنانة وقيس، أنتم إخواننا وبنو عمنا، والرجل بعيد النسب منا ومنكم، وقد رأيتم ما كان يصنع بكم هو وقومه، فانتبهوهم". فشدوا على هجائنه فمزقوها. ولفوه في ريطة بيضاء، وطرحوه على ظهر الطريق. فلما رأته (قيس وكنانة) انتبهوا أسلابه. وقيل: بل قتله غلام من بني كاهل (وكان ابن أخت (علباء بن الحارث) وكان "حجر" قد قتل أبا الغلام) وكان المحرض على قتله "علباء" المذكور.

وقد ذكر الرواة في قتله روايات مختلفة أقربها إلى الصحة ما ذكرناة.

قالوا: ووثب (عمرو بن مسعود) فضم عيال (حجر) . وقال: "أنا لهم جار". وقيل: إن الذي أجار عياله هو (عوير بن شجنة) . فقال له قومه: "كل أموالهم فإنهم مأكولون" فأبى. فلما كان الليل حملهم حتى أوصلهم إلى (نجران) ، فقال لابنته: "لست أغني عنك شيئا وراء هذا الموضع، وهؤلاء قومك، وقد برئت من خفارتي". فمدحه امرؤ القيس بعدة قصائد. منها قوله:

عوير، ومن مثل العوير ورهطه ... أبر بميثاق وأوفى بجيران؟

هم أبلغوا الحي المضيع أهله، ... وساروا بهم بين العراق ونجران

خبر امرئ القيس

<<  <   >  >>